خلايا وقود الهيدروجين والأثر البيئي
تعمل اسكتلندا على أن يكون أول قطاراتها العاملة بالطاقة الهيدروجينية جاهزا للانطلاق بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام. لا شك أنها مهمة ضخمة يشارك فيها عديد من الشركاء من بينهم مبادرة مسرعات الهيدروجين التابعة لجامعة سانت أندروز وشركة أركولا إنيرجي. وهذا المشروع لا يعد خطوة حاسمة في مساعدتنا على فهم التحديات العملية التي تكتنف استخدام وقود الهيدروجين في السكك الحديدية فحسب، لكنه يعد مثالا على نوعية الاستثمارات التي تحتاج إليها اسكتلندا لاستغلال الفرص السانحة حاليا في بناء شبكة طاقة آمنة ومرنة وفعالة من حيث التكلفة وخالية من الكربون.
لكن ليس جميع الخبراء على يقين أن خلايا وقود الهيدروجين مصدر طاقة نظيف بما يكفي لتبرير الحماس العالمي لها. ولا يزال كثيرون يتساءلون عما إذا كان هذا النمط من تشغيل السيارات والطائرات والقطارات سيساعد بالفعل على إبطاء تغير المناخ، بل إن البعض قلق من أن إنتاج الهيدروجين سيسرع من وتيرة تغير المناخ.
إن من لم يحضر أو لم ينجح أبدا في مادة الكيمياء غالبا ما يعلم أن الهيدروجين عنصر منتشر وشائع جدا، وأنه موجود في الماء. ويوجد الهيدروجين أيضا في مركبات مثل الميثان والفحم. ويمكن لهذا الغاز أن يكون مصدرا فعالا للطاقة النظيفة، ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإنه يحتوي على أعلى محتوى للطاقة بالوزن مقارنة بأي مصدر طاقة آخر.
أما فيما يتعلق بالانبعاثات فإن عملية حرق الهيدروجين للحصول على الطاقة لا تضر مطلقا بالبيئة، حيث إن المنتجات الثانوية الوحيدة التي تطلقها هذه العملية هي الحرارة والماء. لكن مشكلة الانبعاثات تظهر عند محاولة فصل الهيدروجين لا عند حرقه. لجعل الهيدروجين قابلا للاستخدام كوقود، يجب فصله عن الماء أو الفحم أو الغاز الطبيعي أو النفايات الحيوانية أو النباتية. وفي الوقت الحالي يأتي معظم الكمية التي تنتجها الولايات المتحدة من الهيدروجين والبالغة تسعة ملايين طن متري سنويا من الميثان عبر عملية إعادة التشكيل بالبخار، وهذه العملية تتسبب في انبعاث غازات الدفيئة. لكن يمكن أيضا فصل الهيدروجين عن الماء من خلال عملية تسمى التحليل الكهربائي، وهي عملية يمكن تشغيلها بواسطة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو مصادر الطاقة المتجددة الأخرى. أما الجانب السلبي لهذا الخيار فهو التكلفة الأعلى بكثير.
يستخدم الهيدروجين حاليا أيضا في معالجة الأغذية ومعالجة وتنقية المعادن ووقود الفضاء الذي تستخدمه "ناسا"، وفي تشغيل عدد قليل من طرازات السيارات الحصرية مثل "تويوتا ميراي". وكما جاء في مجلة "بوبيولار ميكانيكس" فإن السيارات العاملة بوقود الهيدروجين تعد سيارات كهربائية، حيث يقول كيث ويبكي مدير البرنامج المختبري لخلايا الوقود وتقنيات الهيدروجين في المختبر الأمريكي للطاقة المتجددة: "عندما نتحدث عن السيارات الكهربائية فإن ذلك يشمل السيارات الكهربائية الهجينة القابلة للشحن الخارجي، والسيارات الهجينة ذات المحركين، والسيارات العاملة بالبطاريات الكهربائية، والسيارات العاملة بخلايا الوقود، وأي سيارات أخرى تستخدم محركا كهربائيا قد تظهر لاحقا". لكن خلايا الوقود تختلف كثيرا عن بطاريات الليثيوم أيون العملاقة التي تزود بها السيارات الكهربائية، حيث تنتج خلايا وقود الهيدروجين الكهرباء عن طريق التفاعلات الكهروكيميائية عندما يتحد الهيدروجين مع الهواء.
وقد جرب المخترعون والمهندسون استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة لعقود. وفي عام 2003 خصصت إدارة الرئيس الأمريكي 1.2 مليار دولار لأبحاث الهيدروجين. والسبب الرئيس وراء ذلك هو حقيقة أن الهيدروجين أكثر كفاءة بثلاث مرات من البنزين عند استخدامه كوقود للسيارات، الأمر الذي يغري كثيرين للسعي وراء تطوير تقنيات وقود الهيدروجين.
لكن إضافة إلى تحديات التكلفة المتعلقة بإنتاج وقود الهيدروجين النظيف، هناك خطر تسرب الغاز إلى الغلاف الجوي أثناء تخزينه أو نقله، حيث يصعب نقل الهيدروجين، لأنه يحتاج إلى التخزين تحت ضغط مرتفع. ووفقا للنماذج التي صممها باحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ففي حال عدم وجود طريقة فعالة تماما لإنتاج الهيدروجين وتخزينه ونقله، سيتسرب 10 إلى 20 في المائة من الغاز إلى الغلاف الجوي. وخلص الباحثون إلى أنه "من الممكن تخيل سيناريوهات أكثر أو أقل فداحة على حد سواء، لكن من الواضح أن التأثير المحتمل في دورة الهيدروجين سيكون دوما كبيرا". ويفترض هؤلاء الباحثون أن الهيدروجين المؤكسد من شأنه أن يبرد طبقة الستراتوسفير وينشئ مزيدا من السحب، ما يؤثر سلبا في الدوامة القطبية ويزيد من الثقوب في طبقة الأوزون. لكن بفرض أنه سيصبح من الممكن قريبا التغلب على مشكلات الإنتاج والتخزين والنقل والاستفادة من كفاءة الهيدروجين بأمان، فقبل أن تكون هناك سيارة تعمل بالهيدروجين في كل مرآب يجب أن تنخفض التكلفة وترتفع أسباب سهولة الاستخدام. في الوقت الحالي تبلغ تكلفة أول ثلاث سيارات تعمل بالهيدروجين -"تويوتا ميراي"، و"هوندا كلاريتي"، و"هيونداي نيكسو"- ما بين 50 و60 ألف دولار، وهو ما يكفي لشراء نحو ثلاث سيارات "هوندا سيفيك" عادية. ولن يستطيع أحد أن يقطع مسافة طويلة في سيارة تعمل بالهيدروجين ما لم تتوافر أماكن للتزود بالوقود، ما يعني أنه في الوقت الحالي داخل الولايات المتحدة يمكن قيادة تلك السيارات عبر ولاية كاليفورنيا أو التجول بها في المدينة، حيث تتوافر محطات التزود بوقود الهيدروجين وفقا للموقع الإلكتروني لوزارة الطاقة الأمريكية. ونأمل أن نرى قريبا شركات النفط الكبرى تبدأ من نفسها في إضافة خزانات الهيدروجين إلى محطات الوقود العادية. وما قد يؤخر هذه الخطوة هو أنه إضافة إلى التنافس مع سلعة هذه الشركات الأساسية - البنزين - فقد تواجه الشركات أيضا مشكلات التخزين الآمن وانخفاض الطلب حاليا.
ولا شك أننا بحاجة إلى إجراء بعض التغييرات الكبيرة في أنواع الطاقة التي نستهلكها، وهناك أمل كبير في التحول إلى الهيدروجين.