منتدى الطاقة الدولي والدروس المستفادة
تألقت المملكة كعادتها من جديد الأربعاء الماضي من خلال ما ذكره الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة في الندوة الـ 11 لتوقعات مستقبل الطاقة. حيث استذكر أمام الجميع اجتماعهم الأخير في شباط (فبراير) من العام الماضي. وقتها، كان الاجتماع وجها لوجه إذ كنا في المراحل الأولى من هذه الأزمة التي أعلنتها لاحقا منظمة الصحة العالمية بأنها جائحة. ومن كان يعتقد في ذلك الوقت أنهم بعد عام سيعقدون اجتماعهم عن بعد بدلا من أن يكون في مقر منتدى الطاقة العالمي في الرياض. وقد ألقى في كلمته خلال الاجتماع العام الماضي، تحذيرا من الأثر المحتمل لهذه الجائحة على أسواق البترول، وشدد على الحاجة إلى اليقظة والتحرك. وكيف أنه كان من المستحيل توقع هذه الأحداث. وتظهر النتائج منذ ذلك الحين أن رأي المملكة كان هو الصواب، ومع الأسف تطلب الأمر بعض الوقت ليقتنع الآخرون بهذا الرأي.
قال حينها، إن الجائحة كانت كبيت يحترق، وإننا كنا أمام خيارين: إما محاولة إخمادها بخرطوم مياه، أو استدعاء فرقة الإطفاء. وأظهرت النتائج منذ ذلك الحين أن رأي المملكة بالاستعانة برجال الإطفاء المحترفين كان هو الرأي السديد. وتأخر اقتناع الآخرون بهذا الرأي، جعلنا بحاجة ماسة إلى عدة فرق إطفاء.
ثم تحدث عن تعديلات الإنتاج التاريخية التي اتخذتها الدول المنتجة من منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها، وعن الدعم الكبير الذي حصلت عليه من الاجتماع الاستثنائي لوزراء الطاقة لدول مجموعة العشرين، تحت قيادة رئاسة المملكة للقمة في نيسان (أبريل) من العام الماضي، تلك التعديلات التي خففت أثر صدمة جائحة كوفيد - 19، معززة أمن الطاقة واستقرار الأسواق. وجعلتنا الآن في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه العام الماضي.
بعدها كرر التنبيه والتحذير مرة أخرى من التهاون. فمستوى عدم اليقين عال جدا، وعلينا أن نكون شديدي الحذر، فالحذر هو ما تعلمناه من أحداث العام الماضي القاسية. وذكر أن المباراة ما زالت تلعب، ومن المبكر جدا الاحتفال أو إعلان أي انتصار على الفيروس، فلم يطلق حكم المباراة صافرة النهاية بعد.
ثم جدد الدعوة بأن نطبق ما استفدناه من دروس العام الماضي. ومن تلك الدروس أن محاولة التنبؤ بالمستقبل، حتى القريب منه، غير ذات جدوى، وأن أفضل ما علينا عمله هو أن نزيد استعدادنا ومرونتنا، مدركين أن العمل الجماعي هو الطريق المثالي لمواجهة التحديات المقبلة.
وفي هذا الصدد، وجه الحديث عن عدم جدوى التنبؤ، إلى أولئك الذين يحاولون توقع تحرك دول اتفاق "أوبك+"، وقالها لهم بكل صراحة: لا تحاولوا التنبؤ بما لا يمكن التنبؤ به. وذكر أن نماذج التنبؤ طويلة الأجل مفيدة جدا للتعبير عن عالم معقد، والحصول على تحليل عميق، ما يعين على عملية التخطيط بعلم وبموضوعية أكبر. لكن علينا أن نكون على بصيرة بمحدودية تلك النماذج، وأن ندرك أن توقعات اليوم سيتضح أنها خاطئة في المستقبل. إن هذه النماذج تعتمد اعتمادا كبيرا على الافتراضات التي تبنى عليها، وليست قادرة على مراعاة الأحداث غير المتوقعة.
ثم عاد إلى الماضي ليذكر الجميع بالأزمة المالية العالمية عام 2008، والأحداث الجيوسياسية الكثيرة التي زعزعت استقرار الأسواق والحركة التجارية، والجائحة التي أخلت بالنشاط الاقتصادي وحياة البشر. إذ لم يستطع أي من النماذج أن يتنبأ بمثل هذه الأحداث المفصلية. لكن ما تظهره هذه النماذج هو مستوى عدم اليقين العالي، وأهمية التكيف مع بيئة لا يمكن التنبؤ بها وتعزيز المرونة في مواجهتها. كما أن هذه النماذج تظهر مدى التحديات التي نواجهها، والواقع الذي يحتم علينا العمل الجماعي للتعامل مع تلك التحديات.
ولم يفوت الفرصة الأمير عبدالعزيز بن سلمان لشكر الزملاء في منظمة أوبك، ووكالة الطاقة الدولية ومنتدى الطاقة العالمي، على عملهم الدؤوب والتزامهم. حيث إن هذه الندوة الثلاثية الأطراف هي نتيجة العمل الجماعي المتفاني الذي تقوم به الفرق المتميزة في هذه المنظمات الثلاث، وهي منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية ومنتدى الطاقة العالمي.
وبمناسبة دخول منتدى الطاقة العالمي ذكرى العام الـ 30 لأول اجتماع وزاري له، فإن المملكة تفخر بكونها إحدى الدول الرئيسة التي أسهمت في إنشاء أمانة المنتدى، بوصفها أحد أهم المنصات العالمية للحوار. هذا التعاون اتخذ طابعا رسميا في اتفاق 2010، الذي حدد فيه مجالات معينة للتعاون بين منظمة أوبك، ووكالة الطاقة الدولية، ومنتدى الطاقة العالمي.
وأكد أن استيعاب آثار هذه الجائحة وتجاوزها عن طريق قدر أكبر من التماسك والحوار وشفافية البيانات في مجال الطاقة، وتلك هي مهمة وأهداف منتدى الطاقة العالمي الأساسية. وهذا هو ما كانت المملكة تسعى إلى تحقيقه خلال رئاستها لمجموعة العشرين، من خلال فرق عمل الطاقة واستدامة الطاقة.
وفي الختام جدد الأمير عبدالعزيز الدعوة إلى تسريع الجهود المشتركة لحين تستضيف المملكة الاجتماع الوزاري الـ 17 لمنتدى الطاقة العالمي، ومنتدى الأعمال في النصف الثاني من عام 2021.