هل المخاوف بشأن التضخم مبررة؟ «2 من 2»
وعلى الرغم من ارتفاع أسواق الأسهم إلى عنان السماء، فإن العمالة كانت تتلقى حصة متناقصة من الكعكة الاقتصادية. وعديد من التدابير المقترحة التي ربما تمكن العمال من استعادة حصة أكبر، مثل تعزيز قوة النقابات وجعل نقل التصنيع والأعمال إلى الخارج أكثر صعوبة، ستـفضي بالضرورة إلى انكماش التجارة.
قد يخلف انحسار العولمة تأثيرا كبيرا في التضخم. ويخشى كثيرون في الغرب أن "تأكل الصين غداءنا"، كما حـذر الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرا في دعوته إلى زيادة مطلوبة بشدة في الاستثمار في البنية الأساسية في أمريكا. ربما، لكن الغربيين يجب أن يدركوا أن الصين، عندما يتعلق الأمر بالتصنيع العالمي، فهي التي تصنع الغداء، وأن الوجبة ستكلف أكثر كثيرا إذا لم تكن هذه هي الحال.
في عموم الأمر، استفادت جهود تقليص التضخم التي بذلتها البنوك المركزية، من 1980 إلى أن اندلعت الأزمة المالية في 2008، استفادت بشكل هائل من العولمة المفرطة خلال هذه الفترة. كما عملت التجارة مع الصين وغيرها من الدول النامية، مقترنة بالتقدم التكنولوجي، على دفع أسعار عديد من السلع الاستهلاكية بلا هوادة إلى الانخفاض.
مع ارتفاع الإنتاجية وانخفاض عديد من الأسعار بشكل واضح، لأسباب خارجة عن سيطرة السياسة النقدية، أصبح من السهل نسبيا أن يدفع القائمون على البنوك المركزية توقعات الجماهير الطويلة الأجل فيما يتصل بالتضخم إلى الانخفاض. ولكن عندما أشرت إلى هذا في مؤتمر كبير لمحافظي البنوك المركزية في 2003، في ورقة بحثية بعنوان "العولمة وإبطاء التضخم العالمي"، لم يكن أغلب القائمين على البنوك المركزية راغبين في تقاسم الائتمان مع العولمة.
الآن، بات من الممكن أن تتحرك الأمور في الاتجاه الآخر، خاصة في ضوء الإجماع السياسي القوي من كلا الحزبين في واشنطن على الحاجة إلى تحدي الصين. قد لا يختلف جوهر سياسات بايدن عن تلك التي اتبعها الرئيس السابق دونالد ترمب بذلك القدر من السرعة أو الجذرية الذي يأمل فيه عديد من أنصار الأممية العالمية. حتى إذا تمكنت الولايات المتحدة والصين من إصلاح خلافاتهما الحالية، فإن تأثير العولمة سيتلاشى حتما، وهو ما يرجع جزئيا إلى عوامل ديموغرافية، كما جادل بقوة تشارلز جود هارت ومانوج برادهان. على سبيل المثال، من المتوقع أن تتقلص قوة العمل في الصين بمقدار 200 مليون عامل خلال الأعوام الـ20 المقبلة.
هل ينبغي للأسواق إذن أن تستسلم لحالة من الذعر بشأن ارتفاع محتمل في الطلب يدفع التضخم وأسعار الفائدة إلى الارتفاع؟ في الأمد القريب، ليس إلى حد كبير. بل ومن المحتمل أن تفكر البنوك المركزية جديا بعد عام من الآن في أسعار الفائدة الشديدة السلبية من أجل إعادة إشعال شرارة التضخم والطلب. لن يكون الأمر سيئا بالضرورة إذا ارتفع التضخم فوق المستوى المستهدف لبضعة أعوام بعد أن ظل منخفضا للغاية لفترة طويلة. لكن مخاطر التضخم الأبعد أمدا تميل إلى الاتجاه الصاعد بشكل أكبر كثيرا مما تتصور الأسواق وصناع السياسات.
خاص بـ " الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.