لا لتدمير وسائل التواصل الاجتماعي .. نعم لتقسيمها «2 من 2»
لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بصورة فعالة، يجب أن نركز على فصل تأثيرات التكنولوجيا التي ستستمر عن تأثيرات نموذج عمل معين يمكن أن يغيره التنظيم. إن المشكلة لا تكمن في السماح للأشخاص بنشر أشياء مجنونة على الإنترنت، فطالما أنهم لا يرتكبون أي جريمة، من المفروض أن يعبروا عن أنفسهم بحرية. إن المشكلة بالأحرى هي أن وسائل التواصل الاجتماعي تنكسر من خلال نموذج أعمال يعتمد في تحقيقه لأقصى حد من الأرباح على الترويج لأكثر الأفكار جنونا، وإثارة.
ويتم تسهيل هذا النموذج من خلال حصانة منصات وسائل التواصل الاجتماعي من العواقب القانونية أو تلك المتعلقة بالسمعة. إذ لطالما كانت الصحف مسؤولة من ناحية القانون والسمعة عما تطبعه. لكن بموجب المادة 230 من قانون آداب الاتصالات الأمريكي لعام 1996 تفادت شركات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية القانونية عما يظهر على منصاتها. وعندما تثير انتقادات بسبب ترويجها لأكثر محتوياتها جنونا، فإنها تحول اللوم بصورة روتينية إلى خوارزمية معينة "رغم أنها هي نفسها من صممت خوارزمياتها لزيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصة ما".
وتضطلع منصات الوسائط الاجتماعية بدورين: فهي تدير شبكات تربط بين بلايين المستخدمين، وتقرر المحتوى الذي يراه هؤلاء المستخدمون. وكان للصحف هذا النوع من الأدوار التحريرية لعدة قرون، لكنها فعلت ذلك في بيئة شديدة التنافسية. ولا يمكن قول الشيء نفسه عن بيئة وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. فنظرا لكون "فيسبوك" يشكل ما يقارب 72 في المائة من أسواق وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، فهو يعد محتكرا قويا، وينطوي ذلك على عواقب سلبية.
وهذه هي المشكلة التي يمكن أن تساعد القوانين في حلها من خلال فصل ما هو اجتماعي عما هو إعلامي. إذ في عديد من الدول يتم فصل شبكة الطاقة الكهربائية وهو احتكار طبيعي عن إنتاج الكهرباء. وبالطريقة نفسها، يجب أن نفصل البنية التحتية لشبكات التواصل الاجتماعي عن الدور التحريري. وتجعل العوامل الخارجية للشبكات من هذه الأخيرة احتكارا طبيعيا، بينما ستستفيد وظيفة التحرير من المنافسة. والأهم من ذلك، لا ينبغي السماح للشركة التي تدير الشبكة الافتراضية بدخول مجال التحرير. إذ سيسمح لها ذلك بقتل أي منافسة عن طريق دعم نشاط بآخر وهذا بالضبط هو النظام القائم حاليا.
كيف ستكسب هاتان الطبقتان المنفصلتان المال؟ توفر الطبقة التنافسية عديدا من الخيارات. إذ يمكن للشركات إعلان البيانات، أو بيعها، أو فرض رسوم على العملاء مقابل المحتوى أو امتياز عدم تلقي الإعلانات، وعدم بيع بياناتهم. ويجب أن تفرض الشبكة الافتراضية كما هو الحال مع أي احتكار طبيعي سعرا منظما للوصول إلى البنية التحتية.
ولا ينبغي إجراء هذه الأنواع من التغييرات من خلال التقاضي أو وضع القواعد التكنوقراطية لكن بالتشريع. وفي المجتمع الديمقراطي يجب أن يتخذ الممثلون المنتخبون القرارات السياسية الرئيسة التي تؤثر في تدفق المعلومات. إنني لست متفائلا بإمكانية سن مثل هذا القانون في أي وقت قريب في الولايات المتحدة. فالممثلون المنتخبون الذين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للفوز بإعادة انتخابهم لن يعضوا اليد التي تطعمهم. لكن لا تنخدع: فهذا هو الحل. وكل شيء آخر هو وسيلة تلطيفية، بل الأسوأ من ذلك أنها وسيلة لتعزيز الاحتكار الحالي.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.