القمح اللين «الديورم» وفرص الاستثمار

كان القمح "البر" هو العنصر الغذائي السائد في الجزيرة العربية زراعة واستهلاكا، وهو عدة أصناف ويسمى علميا بقمح "الديورم"، وهو القمح اللين ويختلف عن القمح الصلب السائد حاليا الذي تقدمه المؤسسة العامة للحبوب وهو مصدر الخبز المتداول.
يشتهر أيضا قمح "الديورم" بأنه مصدر إنتاج معظم الأغذية الشعبية في المملكة، كالجريش والقرصان وغيرهما، ومنه أيضا تنتج المعكرونة بكل أصنافها والكعك، ومنه ينتج السميد والبرغل، وتستهلك المملكة من هذا النوع نحو 200,000 طن تقدر قيمتها بـ 2,5 مليار ريال سنويا، وينتج منه محليا نحو 80,000 طن، ويتم استيراد الباقي من دول عديدة أهمها بلاد الشام وتركيا، بينما تستهلك المملكة من القمح الصلب نحو 3,500,000 طن سنويا ينتج منها محليا نحو 700,000 طن من قبل المزارعين، وأعلنت المؤسسة العامة للحبوب استعدادها لاستقبال 1,500,000 طن من المزارعين مستقبلا أي نحو 50 في المائة من استهلاك المملكة.
وعقدت وزارة البيئة والمياه والزراعة الأحد 2021 / 12 / 26 ورشة عمل بعنوان "دراسة إمكانية الاستثمار لإنتاج قمح (الديورم)"، تم فيها عرض هذه الفرص للشركات الزراعية التي حضر مندوبوها وبعض المزارعين، وهذه الفرصة تهيئ المملكة للدخول في إنتاج المعكرونة بإنتاجها لهذا النوع من القمح بكميات كافية. وهو مما يعزز تعدد أصناف القمح في السوق السعودية، كذلك لإنتاج هذه الأصناف المحلية.
ويستخدم هذا النوع من قمح "الديورم" لإنتاج أنواع الخبز وأنواع الكيك والمعجنات. ويخلط مع نوع قمح يسمى القمح الأبيض خاصة، لإنتاج أنواع البسكويت الهش. ولذلك، فإن استجابة المزارعين لزراعة هذه الأصناف من القمح سواء أفراد أو شركات سيكون لها أثر جيد على توافر هذا النوع في الأسواق المحلية والاكتفاء الذاتي منها. وإن هذه الأصناف المحلية "الديورم" كانت سائدة في نجد وكانت تمون الحجاز في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقمح "الحنطة"، وقصة الصحابي الجليل ثمامة بن أثال ملك نجد، وهو أول من اعتمر في الإسلام، عندما انتهى ثمامة من عمرته، قال لسادات قريش، "أقسم برب هذا البيت إنه لا يصلكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا دين محمد عن آخركم"، وعاد إلى بلاده فأمر قومه أن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، ما جعل الأسعار ترتفع في مكة، ويفشو الجوع ويشتد الكرب، حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم الهلاك. عند ذلك كتبوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – يقولون، "إن عهدنا بك تصل الرحم وتحض على ذلك... وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث بما نحتاج إليه فافعل"، فكتب - عليه الصلاة والسلام - إلى ثمامة أن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها. وهذا يدل أن منطقة نجد، التي تشكل اليوم منطقة الرياض، ومنطقة القصيم، ومنطقة حائل، والأجزاء الشرقية لمنطقة مكة المكرمة، ومناطق نجد الشرقية مثل هضبة الصمان جميعها مناطق صالحة لزراعة هذا القمح.
ونظرا لأن القمح كان هو مصدر الغذاء الرئيس والوحيد الذي يعتمد عليه الناس فيما مضي في مأكلهم، فقد انحصرت زراعة "الديورم" في هذه الأصناف المحببة لدى المستهلكين الذي يطيب أكله لديهم، أما الأرز السائد حاليا والمستورد بنسبة 100 في المائة، فإنه لم يكن معروفا في هذه المنطقة إلى وقت قريب. وتبدأ عملية زراعة "الديورم" في الشتاء في كانون الأول (ديسمبر)، حتى بداية شباط (فبراير) من كل عام وفي بداية "الوسم" تحديدا، وتمتد حتى طلوع المربعانية التي نحن فيها حاليا، وهو بدء تساقط الأمطار في وسط الجزيرة العربية. وتعد احتياجاته من المياه ومن الأسمدة منخفضة، حيث إنه كان ولا يزال يزرع على الأمطار الموسمية التي تكون كافية، وكذلك مقاومته للآفات عالية، حيث تأقلم هذا الصنف من القمح على ظروف المنطقة.
وحيث إن ما تقدمه المؤسسة العامة للحبوب، الذي يقدر بـ 3.7 مليون طن من القمح الصلب، هو الغالب في السوق المحلية، فإن سعر شرائه من المزارعين 1.5 ريال فقط للكيلوجرام الواحد، بينما السوق الحالية لقمح "الديورم" اللين لا يتجاوز 200 ألف طن فقط، أي 5.4 في المائة من القمح في السوق المحلية، إلا أن سعره يصل إلى 20 ريالا للكيلوجرام بالمطاحن التقليدية، ولأن اتجه بعدا آخر، وهو تموين المصانع المحلية للمعكرونة، التي تعتمد حاليا على استيراد احتياجاتها من هذا القمح من خارج المملكة، وهذا ما يعرف في التسويق الزراعي بالتسويق التعاقدي، بحيث تتعاقد هذه المصانع المحلية مع المزارعين مسبقا على إنتاج احتياجاتها من هذا النوع، ومن ثم يقوم المزارع أو الشركة الزراعية بالإنتاج وفق الاحتياج المتعاقد عليه، وبذلك تعد السوق قائدة للإنتاج وليس العكس. وزراعة هذا النوع من القمح تعد فرصة زراعية تجارية، كما أن إنتاج التقاوي لدعم المزارعين له فرصة متخصصة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي