التقنية ودورها في التنوع والاحتواء
يلقى مصطلحا التنوع والاحتواء رواجا متزايدا في الآونة الأخيرة، خصوصا في أوساط العمل أو المؤسسات التعليمية في العالم الغربي. ويقصد بالتنوع هنا تحييد الفوارق العرقية أو الديموغرافية على سبيل المثال، في قرارات إتاحة الفرص الوظيفية أو التعليمية، ليكون التوظيف أو القبول في مؤسسة تعليمية مثلا، مبنيا على جدارة وكفاءة الشخص المتقدم إلى جانب المؤهل. والنتيجة الطبيعية لمثل تلك الممارسات هي الحصول على مجتمع وظيفي أو علمي يحظى بالتنوع، ويأتي من مشارب مختلفة. أما الاحتواء بمعناه المجمل فيعني إتاحة الفرص بشكل متكافئ للجميع داخل المؤسسة، وما يتطلب من توفير الحصول على المعلومات الأساسية أو المستجدات على مستوى المنظمة أو المؤسسة. لكن من المهم الإشارة إلى خصوصية الدول والمجتمعات عند تبنيها تلك المفاهيم، لتتماشى مع قيمها وثقافة مجتمعاتها السائدة.
يعود السبب في التركيز على مسائل التنوع والاحتواء في العمل والتعليم، حسب ما يشير بعض الدراسات إلى مساهمتهما في تعزيز الولاء الوظيفي، وإلى زيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين. كذلك يسهم عادة وجود تنوع ثقافي أو تعدد في الخلفيات العلمية للأعضاء أو الموظفين إلى تلاقح كثير من الأفكار وامتزاجها، لتنمية الرصيد الابتكاري لتلك الفرق أو المؤسسات من جهة، واتخاذ قرارات تتسم بنضج أكبر من جهة أخرى. أيضا يعد التنوع في العمل أحد العوامل المساعدة على زيادة الإنتاجية، وبالتالي نمو الإيرادات حسب تقرير لمؤسسة Great Place to Work.
لكن كيف للتقنية أن تتضافر مع الممارسات التقليدية لتوفر مجتمعا وظيفيا أو تعليميا متنوعا؟ الخطوة الأولى في تمكين التنوع الوظيفي تبدأ في مرحلة اختيار المرشحين وعدم إخضاعها للتدخل البشري. فبفضل التقنية تستطيع أماكن العمل اختيار المرشحين والتأكد من مطابقة مؤهلاتهم وجداراتهم أو خبراتهم مع الأوصاف الوظيفية بشكل آلي مع تحييد للتحيز البشري، بل استطاعت التقنية أن تذهب إلى أبعد من ذلك بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال يقوم المرشح بإجراء مقابلة شخصية مصورة ومسجلة، تمرر بعد ذلك على برامج حاسوبية مدعومة بخوارزميات للذكاء الاصطناعي، لتقوم بتحليل حركات الجسد ولغة المرشح وتعطي التوصيات بناء على ذلك.
فبتقليل تأثير عوامل الاختيار المبنية على العرق واللون أو الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه المرشح، أو ما تسمى بعوامل التوظيف المبني على التحيز، تكون عملية البحث والفرز ومن ثم الترشيح والاختيار أكثر موضوعية. وتساعد تلك الاختبارات المنظمات على استقطاب الكفاءات التي تتوافق مع احتياجاتها بدقة أكبر. يضاف أيضا إلى حسنات التقنية في الاحتواء الإمكانات التي توفرها في التعليم والتدريب الافتراضي. فالدورات التدريبية المتاحة على شبكة الإنترنت MOOCS تستوعب أعدادا كبيرة من المتدربين، وتوفر مرونة عالية في أوقات التدريب والمشاهدة وما يرتبط بها من متطلبات. تمكن تلك الميزة من حصول الموظفين أو الدارسين على فرص متساوية، وتتيح لهم نفاذا متكافئا بغض النظر عن مستوى المتدرب الوظيفي.
وفي مثال على الممارسات المتبعة للمحافظة على مبدئي التنوع والاحتواء تلتزم الجامعات العريقة، خصوصا تلك التي تستهدف الطلبة الدوليين، بالمحافظة على نسبة معينة من الطلبة أو حتى أعضاء هيئة التدريس الأجانب في كلياتها ومعاهدها، مؤكدة التزامها بالتنوع الثقافي والإثني في برامجها الأكاديمية والبحثية. كما أن أحد معايير تصنيفات الجامعات العالمية الشهيرة يأخذ في الحسبان مسائل التنوع العرقي وعدد الطلاب الدوليين ومستوى التعاون الدولي في تقييمها تلك الجامعات.
مفاهيم التنوع والاحتواء تشير عموما إلى مدى ودية وشفافية المجتمع الوظيفي أو التعليمي للمؤسسات، لكن يجدر الأخذ في الحسبان خصوصيات المجتمعات والثقافات السائدة التي تنشط فيها.