الاستثمار في المحيطات والبحار
هذا البحر الذي يشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية يحتوي على عديد من العجائب والغرائب المعلوم اليسير منها والمجهول أغلبها، فيه أحياء ومعادن وجمادات وفيه تفاعلات بين كل مكوناته، تمثل في مجملها بيئة متوازنة مترابطة متكاملة، مترابطة فيزيائيا وكيميائيا وحيويا في نظام بيئي من صنع أحكم الحاكمين!
تنعكس الشمس بتدبير إلهي حكيم على أسطح البحار والمحيطات والأنهار، فتبخر منها ماء ليرتفع في طبقات الجو ويتآلف بأمره سبحانه ليكون سحبا تدفعها الرياح إلى حيث أراد الله من اليابسة أو البحار الأخرى، فتنزل بأمره لتقوم بدورتها ودورها الذي يقدره الله - جل وعلا - وينعم الإنسان والحيوان والنبات بالخير والحياة، فجراء ذلك من البحار يحصل البشر وغير البشر على الغذاء، سواء كان حيوانيا أو نباتيا، في تكامل وتكافل وتوازن هو الأصل في التفاعل والعلاقة العامة للمقومات البيئية الأربعة، الماء والتربة والهواء والكائنات الحية، هذا التوازن الإلهي يحتم علينا معشر البشر جملة من المسؤوليات تجاه البيئة عموما والبحار خصوصا باعتبارها تمثل ثلاثة أرباع كوكبنا الأزرق الذي ينبض بالحياة، ومن هذه المسؤوليات:
أولا: أن نستشعر عظم هذا المورد وأهميته لحياتنا وحياة كل الكائنات عند التعامل معه في أي نشاط.
ثانيا: أن نستفيد منه ومن مخزوناته قدر الحاجة دون استنزاف أو مجاوزة الحد ومقدرته على إعادة صيانة موائله، خاصة الحية منها.
ثالثا: أن ندرأ عنه الملوثات الصناعية والعضوية والحرص على المعالجات لأي من هذه المخرجات قبل تصريفها للبحر.
رابعا: المحافظة على الشواطئ الجميلة المبتسمة بثغر أمواجه الرائعة بعدم رمي المخلفات عليها أو تجريفها.
خامسا: عدم استخدام الوسائل والوسائط التي تضر بالبحار ومكوناتها، مثل المتفجرات والزيوت والكيماويات.
سادسا: البعد عن الموائل الطبيعية التي تتكاثر فيها الطيور والسلاحف والنباتات البحرية والشاطئية والحذر من تجريف أو تدمير هذه الموائل.
إن البحر سخره الله - سبحانه وتعالى - للبشر ولا مشكلة في الاستفادة من خيراته، سواء بتحلية مياهه للشرب أو الأغراض الصناعية والزراعية والاستفادة من أمواجه لإنتاج الطاقة الكهربائية، ومن الأحياء البحرية، سواء الحيوانية أو النباتية أو إكثارها فيه طالما أن ذلك يتم على نحو غير مضر بالتوازن البيئي، بل إن حاجة البشر إلى المحافظة على البحار والمحيطات سليمة غير ملوثة ستكون ملحة لمستقبل الأجيال القادمة، حيث تتجه الأنظار والآمال إلى البحار لتكون مصدرا للغذاء الحيواني والنباتي في ظل شح الموارد الطبيعية الأرضية وازدياد البشر على اليابسة.
السعودية تنعم بسواحل بحرية تناهز أربعة آلاف كيلومتر "3800" كيلو متر، بما في ذلك الجزر السعودية في البحر الأحمر والخليج العربي، وتبلغ مجموع الجزر السعودية 1285 جزيرة، منها 405 جزر ذات أسماء معروفة ومشهورة، وهي تمثل نحو 35 في المائة من إجمالي الجزر. وتعد جزيرة فرسان من أكبر الجزر السعودية في البحر الأحمر من حيث المساحة، إذ تبلغ نحو 380 كيلو مترا مربعا.
وبساحل يبلغ طوله نحو 2600 كيلو متر، تطل السعودية على خليج العقبة والبحر الأحمر من الناحية الغربية، الأمر الذي وضعها في المرتبة الأولى من بين الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر من حيث طول الساحل، الذي يمثل نحو 80 في المائة من الساحل الشرقي للبحر الأحمر. وتمتد على طول هذا الساحل وبمحاذاته سلسلة جبال السروات التي تزداد ارتفاعا باتجاه الجنوب، وتنحدر منها عشرات الأودية الموسمية التي تصب في البحر الأحمر. كما أنها تطل على الخليج العربي بواجهتين بحريتين وبساحل يبلغ طوله نحو 1200 كيلو متر، وتبدأ الواجهة الأولى من الجهة الشمالية من نقطة الحدود الساحلية مع قطر على دوحة سلوى، بساحل يبلغ طوله نحو 1100 كيلو متر بتعرجاته، أما الواجهة الأخرى من الجهة الجنوبية فإنها تبدأ من نقطة الحدود الساحلية مع قطر على خور العديد، حتى نقطة الحدود الساحلية مع الإمارات، على دوحة السميرة، بساحل يبلغ طوله نحو 100 كيلو متر.
وتحتل السعودية المرتبة الثانية بين الدول المطلة على ضفتي الخليج العربي من حيث طول الساحل، ويتميز ساحلها بانخفاضه وبمياهه الضحلة وكثرة تعرجاته، ما أدى إلى تكوين مجموعة من الرؤوس والأخوار التي تحيط بها المنخفضات الملحية. ويعود سبب كثرة الجزر المنتشرة في مياه سواحل السعودية، التي تمثل نحو 89 في المائة من مجمل الجزر السعودية، كما يحتوي الخليج العربي على 135 جزيرة تمثل نحو 11 في المائة.
ويعد البحر الأحمر والخليج العربي ميزتين وموردين كبيرين للسعودية بثرواتهما الطبيعية المتجددة والمعدنية المكتشفة، التي لم تكتشف بعد. ورغم ذلك، فإن الدراسات المنشورة، سواء الأكاديمية أو التقارير الفنية والرحلات البحرية العلمية والاستكشافية محدودة، وسيبقى كلا البحرين معينين لا ينضبان للباحثين والجامعات السعودية ومراكز الأبحاث لإماطة اللثام عن مكنوناتهما ودررهما النفسية والنادرة مثل الينابيع العذبة في الخليج العربي والشواطىء العذراء والساحرة ومكامن اللؤلؤ في جزر فرسان، وتصنيف أحيائهما الحيوانية والنباتية وتسخير نتائج هذه الدراسات للاستثمار فيما يعود على الوطن بالخير والنماء.