القاعدة الاقتصادية للمدينة والميزات التنافسية
القاعدة الاقتصادية للمدينة أساسها الأنشطة التي تجمع الناس فيكون الالتقاء للتبادل والإنتاج الاقتصادي ومنه تنشأ المدينة، فالتجمع الإسكاني مبني بالدرجة الأولى على القرب من النشاط الاقتصادي للوصول إليه بشكل سريع وفعال بطريقة تساعد المجتمع على توفير الوقت والمال، لذلك المدن قديما نشأت على تقاطعات طرق المواصلات الرئيسة أو سكك الحديد أو تقاطعات الأنهار أو في نقاط التقاء اليابسة بالمحيط.
وهذه الأنشطة الاقتصادية لا ترسم المدينة فقط، لكن تحدد الطلب والعرض على نوعية الأصول العقارية في المدينة، على سبيل المثال، عندما تقدم المدينة خدمات طبية مميزة على مستوى المدن والدول المجاورة، سيدعم هذا النشاط الاقتصادي العقارات التي تقوم على صناعة الضيافة كالفنادق وغيرها. كما أن هناك المدن التي تتميز بالنشاط الاقتصادي الزراعي الذي يدعم الاستثمار العقاري في الأصول العقارية الزراعية التي تخدم هذا النشاط، مثل الاستثمار في الأراضي الزراعية والمستودعات وغيرها، وهناك أيضا المدن الجامعية التي تملك ميزة تنافسية في صناعة التعليم، وهذه الميزة تجذب المستثمرين مثلا في الاستثمار في العقارات السكنية للطلاب.
هذه الأنشطة الاقتصادية الرئيسة قد تتغير عبر الزمن، فيتحول الطابع الاقتصادي للمدينة من مدينة زراعية إلى مدينة تعتمد على صناعة البتروكيماويات بعد اكتشاف آبار البترول، وهذا ما حصل في مدينة نيو أورلينز في ولاية لويزيانا قبل 100 عام تقريبا.
من جهة أخرى، الأنشطة الاقتصادية تتحول مع تطور التقنية أو التكنولوجيا وهذا بدوره يسهم في إعادة تعريف النشاط الاقتصادي للمدينة، على سبيل المثال، أصبحت القيمة السوقية لكثير من الأصول المالية خلال الأعوام العشرة الماضية شبه مجانية بفضل التطور التكنولوجي، وصار بإمكانك الآن الحصول على مكتبة في جوالك وخرائط وكاميرا مجانية وكثير من الخدمات التي كانت في السابق تقوم عليها شركات وصناعات وأنشطة اقتصادية اندثرت في الوقت الحالي، ولذلك نرى تغلب مشروع مدينة نيوم الطموح الذي يستشرف هذه الأنشطة الاقتصادية على هذه المخاطر التكنولوجية المستقبلية.
أيضا تغير الأنشطة الاقتصادية مع التوسع في التجارة الإلكترونية الذي ساعد على اختفاء وتلاشي بعض الأصول العقارية مثل مراكز التسوق (المولات) وغيرها. أيضا اعتماد المتاجر المغلقة (السحابية) في السوق السعودية أخيرا، وأثره المستقبلي في المتاجر الصغيرة التي توفر السلع الاستهلاكية الشائعة Convenience Goods مثل: الحليب والخبز وغيرهما من السلع التي يستطيع الشخص الوصول إليها بالسيارة في مدة لا تتجاوز خمس دقائق، فالمتاجر التقليدية الصغيرة حصتها السوقية ثابتة ومحدودة بعدد الوحدات السكنية المجاورة لها، ودخول متجر تقليدي آخر يعني مشاركته في الحصة السوقية نفسها، فكيف يكون حال ومستقبل هذه الأنشطة الاقتصادية والأصول العقارية المرتبطة بها إذا كان هذا المنافس بقالة "سحابية" تستطيع مشاركة جميع بقالات الحي في حصصها السوقية؟
قد تتكامل هذه الأنشطة الاقتصادية على مستوى المدينة، على سبيل المثال، قد تكون هناك ميزة تنافسية في أكثر صناعات المدينة، وقد تتميز المدينة في المجال الطبي والهندسي معا بطريقة تساعد المدينة على تصميم وإنتاج الأطراف الصناعية وتصديرها إلى المدن والدول المجاورة. أو قد يكون هذا التكامل بين الأنشطة الاقتصادية على مستوى العقار نفسه كما هو حاصل في حاضنات ومسرعات الأعمال التي تساعد رواد الأعمال على التكامل بينهم إذا كانوا في المبنى أو البرج التجاري نفسه، فيستطيع رائد الأعمال لمشروع معين الاستفادة من خدمات رائد أعمال آخر يوفر خدمة المدفوعات ويعمل في طابق مختلف، أو الاستفادة من خدمات رائد أعمل آخر يقدم الخدمات التسويقية فيحصل هنا التكامل بين جميع رواد الأعمال في مختلف طوابق هذا البرج التجاري.
لذلك من الضرورة التعرف على هذه الأنشطة الاقتصادية وتحليلها قبل الخروج بتحليل عن السوق العقارية، لأن هذه الأنشطة الاقتصادية تعد الأساس الذي يولد التدفقات النقدية المتوقعة Expected Cash Flow، وهي من المدخلات الرئيسة في نموذج خصم التدفقات النقدية Discounted Cash Flow model وهو من أهم التطبيقات المالية للتعرف على القيمة الحالية للأصل المالي.
لكن كيف يمكن للمستثمر العقاري التعرف على النشاط الاقتصادي للمدينة؟ من أهم الأدوات التي تستخدم في قياس الأنشطة الاقتصادية هي Location Quotient وفيها تتم مقارنة نسبة التركز لصناعة معينة في المدينة ومقارنتها بنسبة تركز الصناعة نفسها، لكن على مستوى الدولة، على سبيل المثال، لو كانت نسبة عدد العاملين في قطاع التعليم في مدينة (أ) مقارنة بجميع عدد العمال فيها تساوي 20 في المائة، ومن جهة أخرى كانت نسبة العاملين في قطاع التعليم على مستوى الدولة تساوي 10 في المائة، فسوف يساوي Location Quotient 2 أو الضعف، بمعنى أن تركز العمال في صناعة التعليم في مدينة (أ) يساوي ضعف المستوى الطبيعي لذلك يمكن القول هنا، إن المدينة (أ) تقدم وتصدر النشاط الاقتصادي في صناعة التعليم للمدن أو للدول المجاورة.
التحليل الاقتصادي للأنشطة الاقتصادية، وتقديم بيانات محدثة لمعامل الموقع Location Quotient على مستوى المدينة والدولة، لهما ثمرات عديدة، أهمها دعم القرار للمستثمر العقاري بطريقة تساعده على استغلال الموارد المالية والبشرية اللازمة لتحقيق الاستفادة القصوى من الأنشطة الاقتصادية في المدينة، وتحقيق التكامل بينها على مستوى المدن بأقصى عائد ممكن.