الله يستر عليك
من أجمل الدعوات التي قد تحظى بها في الحياة أن تسمع أحدهم يقول لك "الله يستر عليك"، حين أتسوق في المحال التجارية فأسمع صاحب المحل يقول إلى أحد زبائنه بعد الدفع "الله يستر عليك"، وحين أهم بمغادرة سيارة الأجرة، فيقول لي السائق "الله يستر عليك"، وحين أسمع إحدى النساء الكبيرات تدعو لإحداهن "الله يستر عليك يا بنتي"، فإني أستشعر عظمة هذا الدعاء في حياتنا وقوة ارتباطه بالارتياح النفسي والإحساس بخصوصيتنا المحمية في المحيط الذي نعيش فيه. اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منافذ بيع لخصوصيات كثيرين ممن يعتاشون على كشف تفاصيل بيوتهم وأسرارهم وخصوصياتهم تحت ذريعة كونه شخصية عامة مشهورة من حق الآخرين أن يتقاسموا معه حياته وتفاصيلها. هؤلاء المشاهير اختاروا كشف أستارهم أمام العامة، فأصبح الناس يعرفون ما تحتويه غرف نومهم ودواليب مطابخهم وثلاجاتهم، وتمادى هؤلاء في كشف الستر حتى صاروا يحدثون متابعيهم عن خصوصيات أبنائهم وأطفالهم والمشكلات التي يمرون بها مع الأزواج والأهل، وغاب عن أذهانهم أن العامة يتابعونهم لأنهم يشبعون فيهم غريزة الفضول التي هي غريزة بشرية حين تجد من يشبعها فإنها تتجه إلى مصدره مباشرة، ومعظم من يكشفون أستار حياتهم هم في الحقيقة يعيشون حياة مختلفة خلف الكواليس، فحين تطفأ كاميرات الهواتف، فإنهم يخلعون قناع السعادة الوهمية ويعودون إلى واقعهم المليء بالتعاسة والوحدة والإحباطات، أما حين يقعون في زلة بسيطة فسترى من كان يتابعهم ينبش عن زلات سابقة وهفوات مردومة ويستخرجها وينشرها ويذيعها أمام الله وخلقه.
أن يستر الله عليك، هو أن تظل خطاياك مدفونة لا يعلمها عدو ولا حاقد، وأن تبقى زلاتك في طي الكتمان بعيدا عمن يترقبها منك ليطير بك وبها شماتة، أن يستر الله عليك هو أن تكون بمأمن من عيون المتلصصين والفضولين الذين يبحثون عن ثقوب في جدران حياتك تنقل لهم انكساراتك ومشكلاتك وهمومك وتفاصيل أيامك، أن يستر الله عليك هو ألا تكون علكة في أفواه الناس يمضغون سمعتك ثم يبصقونها فوق قارعة الطريق، هو ألا تكون مادة للقيل والقال يتسلون فيك وهم يرتشفون كوب القهوة.
وخزة:
كشف المستور وإشباع فضول الآخرين بعرض مزيد من الخصوصيات تحت ذريعة الشهرة وجني الأموال إنما هو مفهوم خاطئ يناقض مفهوم الستر والخصوصية التي يتمناها العقلاء، كما أن نفع الناس بالعلم والأفكار والخبرات لا يستدعي كشف أستار البيت وخصوصيات الأسرة.. الله يستر علينا!