لماذا القمح؟

إذا كان النفط هو وقود الصناعة والحركة وسائر مظاهر الحياة العصرية حاليا، فإن القمح الذي هو سيد الحبوب وقود الحياة البشرية، القمح هو لبنة الغذاء الأساسي في شعوب الأرض منه رغيف الخبز الذي لا يستغنى عنه فقير ولا غني، ويدخل في معظم الصناعات الغذائية الأساسية للوجبات الغذائية وكذلك في صناعة المكرونة والسميد والحلويات والبسكويت وغيرها.
بينت الأزمة التي تعصف بالعالم حاليا جراء الأوضاع الجيوسياسية الحالية، أهمية القمح كسلعة استهلاكية للغذاء مهددة جراء النقص فيها سواء بعدم القدرة على مباشرة الإنتاج للقمح أو ما بدأ يفرضه بعض الدول على صادراتها من القمح من حضر تحسبا لما قد يواجه شعوبها من احتياجات، بل ربما للتهديد بالقمح كسلاح أيضا، إضافة لما تسببت فيه الأزمة الروسية - الأوكرانية من اختلال في سلاسل الإمداد وتوقف بعض الموانئ من التصدير للقمح عبرها أو إغلاق بعض المضايق البحرية ما رفع تكاليف الشحن لمعدلات عالية وصلت في بعضها لعشرة أضعاف الأسعار قبل هذه الأزمة.
يستهلك العالم نحو 750,000,000 طن "الفاو 2020" وتعد الصين أكبر دولة منتجة في العالم حيث تنتج الصين 132,000,000 طن تقريبا سنويا يستهلك إنتاج الصين محليا بنسبة كبيرة جدا تصل إلى 94 في المائة، بينما تأتي الهند في المرتبة الثانية بطاقة 93 مليون طن تليها روسيا بطاقة 73 مليون طن سنويا ثم تأتي بعد ذلك الولايات المتحدة بطاقة 62 مليون طن تليها كندا 30 مليون طن ثم فرنسا 29 مليون طن ثم تأتي أوكرانيا في المرتبة السابعة بطاقة 26 مليون طن سنويا.
أما المملكة فتأتي في المرتبة الـ 57 عالميا بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى 765,815 طن (2020)، تستهلك المملكة نحو 3.7 مليون طن من القمح سنويا أي إن نسبة الاكتفاء الذاتي لا تزال 20 في المائة تقريبا.
ولقد استطاعت المملكة في الأعوام السالفة ما بين 1985 و1995 أن تنتج مليوني طن من القمح سنويا وكان هذا يعادل ضعف الاستهلاك آنذاك، وكان عدد مزارعي القمح نحو 22,000 مزارع.
لقد التقت - بتوفيق من الله - الإرادة الحكومية آنذاك مع المقدرة العلمية والإدارية والروح الوطنية في جهة الاختصاص وهي وزارة الزراعة والمياه وكانت زراعة القمح السبب بعد الله - سبحانه وتعالى - في إيجاد البنية التحتية الزراعية التي نشهدها حاليا وتمثل نهضتنا الزراعية فقد تطلبت زراعة القمح مسحا للأراضي الصالحة للزراعة وتوزيعها على المزارعين والشركات الزراعية مجانا وقاموا بحفر الآبار اللازمة للإنتاج وتجهيز هذه المزارع بالرشاشات المحورية والمعدات الزراعية عالية التقنية في البذر والري والمكافحة للآفات وتوزيع الأسمدة ومعدات الحصاد والنقل والتخزين ومن ثم إيجاد كل هذه البنى التحتية وكانت الدولة ولا تزال تنفق بسخاء لقيام هذه النهضة الشاملة وتتحمل شراء القمح بسعر مغر يفوق السعر العالمي بنحو الضعف وتقدم إعانات ومنحا مالية غير زراعية غير مستردة تشمل مشاريع الألبان والدواجن والأسماك والبيوت المحمية وتدعم شراء واستيراد البذور المحسنة والأسمدة وتقدم قروضا مجزية لرؤوس الأموال لتأسيس هذه المشاريع وتشغيلها أيضا ولا تزال ولله الحمد، ما أوجد نهضة زراعية شاملة وحراكا اقتصاديا وصناعات ثانوية في الخدمات المساندة لهذه الأنشطة ارتقى بالمملكة من بلد صحراوي يستورد معظم احتياجاته الغذائية تقريبا إلى بلد يكتفي بمعظمها محليا، بل وصل لدرجة أن يصدر القمح إلى بعض الدول العربية، هذا التاريخ المشرف للزراعة في المملكة الذي استطاعت الدولة بمواطنيها بفضل من الله - سبحانه وتعالى - تحويل المزارع من حرفي إلى تقني يتعامل مع نشاطه الزراعي بأحدث التقنيات في كل نواحي الزراعة وأنشطتها وحولت الزراعة في المملكة من نشاط تقليدي موروث إلى صناعة زراعية ذات أسس علمية وتقنية ودعائم وبنى تحتية قوية.
شهدت الزراعة بعض الفتور بالتوقف عن زراعة القمح لكنها حاليا تشهد نهضة وعودة جديدة لزراعة القمح والأنشطة الزراعية الأخرى أكثر نضجا ووعيا بيئيا وأكثر توازنا وترتيبا للأولويات وأكثر ترشيدا في استهلاك المياه، والتوسع في الزراعة رأسيا ورفع إنتاجية وحدة الهكتار، وبدأ - ولله الحمد - مزارعو القمح يعودون لمزارعهم مدعومين بالدعم السخي من الدولة بشراء منتجاتهم من القمح بسعر مجد وها هي وزارة البيئة والمياه والزراعة تقدم التسهيلات للمزارعين لكل أنشطتهم وتذلل لهم الصعوبات بطرق تقنية وبوابات إلكترونية للحصول على التراخيص والخدمات المساندة، وبدأ مزارعو القمح قبل حلول شهر رمضان المبارك في وادي الدواسر موسم الحصاد للقمح لهذا العام 2022 بمؤشرات جيدة للإنتاجية وتبعهم مزارعو الخرج وحرض بالحصاد في الأسبوع الأول من رمضان وفي بداية شهر مايو يتوقع أن يبدأ الحصاد في منطقتي حائل والجوف والحدود الشمالية والأمل يحدو المزارعين أن يتجاوز الإنتاج لهذا العام مليون طن من القمح - بإذن الله - لتحقيق مستهدف الدولة بإنتاج مليون ونصف طن من القمح محليا لدعم ركائز الأمن الغذائي محليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي