نظرية الحشود والتفويج في المشاعر المقدسة
يبدو أن نظرية الحشود والتفويج أعطت ثمارها والحمد لله، وأصبحت أداة مهمة من أدوات السيطرة على الزحام والحشود، فلقد قابلت عددا كبيرا من الأقارب والأصدقاء الذين أدوا مناسك العمرة في رمضان المبارك، وعادوا وهم يرفعون أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يحفظ قادة هذا الوطن ويمتعهم بموفور الصحة والعافية وطول العمر، لتحقيق مزيد من الإنجازات التي تسهل للمواطنين ولجميع المسلمين أداء مناسكهم وواجباتهم الدينية بيسر وسهولة.
إن الحشود هي التجمعات البشرية المترجلة أو الراكبة للمركبات في الأماكن الضيقة التي لا تستوعب الكم الهائل من البشر الموجود معا في مكان وزمان معينين.
وهذه الحشود لم تعد ظاهرة اجتماعية فحسب، بل أصبحت مشكلة تقلق الحكومات، ومادة علمية تدرس في الكليات والجامعات بهدف دراسة تطبيق أحدث النظريات العلمية لحل مشكلات الزحام والحشود، وفي الجامعات تحولت الحشود إلى نماذج رياضية استخدمت فيها جداول "اللوغارتمات"، ومن خلال هذه الجداول والبيانات الإحصائية تمكن الباحثون من الوصول إلى أفضل النتائج والحلول العلمية لقضية الحشود والتلبك في الأماكن الضيقة.
ولقد لاحظت خلال رمضان المبارك أن الجهات المختصة نجحت إلى حد كبير في توظيف نظرية الحشود والتفويج في المشاعر المقدسة.
ولذلك تميزت عمليات التفويج في هذا العام بدرجة عالية من النجاح والتوفيق رغم أن الحكومة رخصت العمرة لجميع طالبيها في هذه الظروف الاستثنائية.
لقد اضطلع قسم إدارة الأعمال والعمرة في جامعة أم القرى بوضع خطة دراسية تغطي متطلبات المادة العلمية بإجمالي عدد ساعات معتمدة تصل إلى 136 ساعة من المقررات المفصلة، ويوفر برنامج إدارة الأعمال مقررات أساسية للأعمال تزود الطالب بعدد من المهارات المختلفة في مجال الأعمال والمحاسبة والتسويق والاقتصاد والإدارة، كذلك فإن القسم يوفر للطالب فرصة لا تقدر بثمن للتدريب القائم على الممارسة العملية والتعاون واكتساب الخبرات التنفيذية في مختلف قطاعات المجال، وبالذات في تخطيط إدارة الفعاليات الكبرى مثل إدارة الحشود في موسم الحج، بهدف ضمان سلامة الحجيج والتحكم في المشكلات الآنية، إلى جانب إدارة المخاطر وتقييم الفعاليات، إضافة إلى تأهيل الخريجين على إدارة الحشود وتفويج الحجاج بين المشاعر المقدسة لتفادي مشكلات الازدحام والتدافع، إضافة إلى تطوير مهارات الخريجين بالنظريات والأسس التي تحكم السلوك البشري وتدعم العلاقات الإنسانية.
ونعرف جميعا أن الحكومة السعودية واجهت في الماضي كثيرا من التكتلات البشرية وتراكم الحشود والزحام في أماكن مختلفة من المشاعر المقدسة بدءا بالمسجد الحرام، وحول الكعبة المشرفة أثناء الطواف، أو في مساري السعي بين الصفا والمروة، أو أثناء رمي الجمرات، حتى المسجد النبوي الشريف وما حوله من المزارات.
ولقد بذلت الحكومة كثيرا من الجهد ونفذت عديدا من المشاريع لكي تسيطر على الحشود وتخفف من الإصابات في ضيوف بيت الله الحرام، وتجعل الحج والعمرة والزيارة ميسورة لجميع الحجاج والمعتمرين والزائرين.
وها نحن أمام نتائج موفقة مكنتنا من السيطرة على الحشود والزحام والتلبك في منطقة مقدسة تستوجب أعلى درجات الحيطة والحذر.
لقد نجحت وكالة التفويج وإدارة الحشود بدعم من إمارة منطقة مكة المكرمة، وبالتعاون مع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام في تطبيق أحدث النظريات العلمية المعنية بتفكيك الحشود وتسييل الزحام، حيث تمكنت هذه الجهات من تطبيق نظرية الحشود والتفويج بنجاح منقطع النظير، ولقد حددت النظرية نقاط التجمع ونقاط الانفضاض بشكل يجعل هذه القضية في قبضة التنظيم الشرطي الذي بات يسيطر على تعقيدات الحشود في كل بؤر الزحام، ثم يفوجها لتأخذ طريقها إلى الانفضاض والخروج من الزحام بسيولة وأريحية كاملة، كما أن النظرية تتمتع بمبادرات استباقية تمنع التمحور بين الأنصار والجماعات في المواقع الضيقة حتى لا يحدث الانغلاق المؤدي إلى وقوع الأزمات والكوارث.
والواقع أن هناك نسيجا من العلاقات التنظيمية بين وكالة التفويج وإدارة الحشود وبقية الجهات العاملة في المشاعر المقدسة، ومن ناحيتها فقد استفادت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي من هذه التطورات، وقامت بتدريب وتوزيع الموظفين والموظفات على عديد من مراكز الأبحاث والدراسات الميدانية للوقوف على حركة الدخول والخروج من وإلى البيت العتيق.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن ملاعبنا الرياضية في أمس الحاجة إلى تطبيق نظرية الحشود في المدرجات بين الأنصار والجمهور الفاقد للانضباط واحترام الآخر.
إن نمط وسلوك المشجعين يدرس إحصائيا وتغذى به الحواسب الذكية لترتيب دخول وخروج وجلوس المشجعين، وترصد الأجهزة الذكية أماكن الشغب حتى يمكن رصد أي مبادرات بعيدة عن الروح الرياضية والأخلاق السعودية الحميدة.
بمعنى، إن الأحداث الرياضية باتت تدرس وتحلل بأسلوب علمي تلعب فيها الأجهزة الرقمية دورا كبيرا في الوصول إلى الحلول المناسبة.
والحمد لله أن المنهج العلمي والرقمي في الحشود حقق نجاحا كبيرا ومذهلا، وأضحت مشكلة الحشود في قبضة العلم الذي اعتمد على التحليل والاستنتاج ووضع وتنفيذ المبادرات الاستباقية والآنية.
وإزاء هذا النجاح فقد نشأت كثير من الشركات المتخصصة في فض الزحام، وتمكن كثير من الدول من توظيف هذه النظريات العلمية في السيطرة على الزحام والحشود والقضاء على مشكلاتهما المعقدة.