تنوع الاحتفال بالعيد بين التشابه والاختلاف
يحل علينا اليوم عيد الفطر السعيد. ولهذا العيد الذي هو يوم واحد مكانة في الإسلام وعند المسلمين في كل بقاع العالم. له رونق خاص، ويحتفل بحلوله بطرق عدة. تشترى له الملابس الجديدة، وتؤدى صلاة العيد في المساجد، وتكثر زيارة الأقارب، وتبادل الهدايا وإعداد الأطعمة والحلويات اللذيذة الخاصة بالعيد. كما يهتم بعض الشعوب المسلمة بزيارة القبور يوم العيد للسلام على الأقارب المتوفين.
ما سبق عناوين عامة، أما لو دخلنا في التفاصيل، فمؤكد وجود اختلافات كثيرة وقوية وتنوعات. ذلك أن هناك تنوعا في المدة والمظاهر وطرق الاحتفال بالعيد لدى الشعوب المسلمة. وتعكس هذه التنوعات اختلافات مذهبية وثقافية وعادات وتقاليد.
كثير من العادات التي تمارسها شعوب تراها شعوب أخرى من العادات العجيبة. كما توجد فروق في الأنظمة الحاكمة لفترات العيد من إجازات وغيرها. فمثلا، مدة الإجازة لموظفي الحكومات في أغلب الدول الإسلامية تراوح في العادة بين ثلاثة وأربعة أيام. أما في بلادنا، فيحظى موظفو الدولة - زادها الله عزا وبركة -، بإجازة أطول، لاعتبارات كثيرة. حتى لا يساء الفهم، المقام هنا ليس مقام تقييم.
من جهة الإنفاق، يعرف القراء أن الأعياد مواسم تجارية في كل دولة ومكان. تشهد الأسواق مع قرب حلول كل عيد ارتفاعا واضحا في إنفاق الناس. خاصة على السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بالمناسبة. ويسهم في زيادة تحريك النشاط لعيد هذا العام كونه مر بعد جائحة وقيود في العامين الماضيين. وهو إنفاق يقع في ظل غلاء فاحش يعصف بالعالم مقرونا بدخول متدنية نسبيا للأغلبية.
من ضمن صور الإنفاق، حركة سفر نشطة في مواسم الأعياد، خاصة عند طول الإجازة النسبي، كما هي الحال في السعودية. لكنه سفر يلفت الانتباه. هناك غلاء. ويتناقل الناس أسعارا بالغة الارتفاع لقاء سلع وخدمات بعينها. وهي أرقام "لو صحت" تحتاج إلى تقص فقد تكون هناك ممارسات غير مشروعة، وقد لا تكون.
في بعض الدول كالمغرب، ليس غريبا أن ترى دعايات من قبيل خذ قرضا لشراء العيد، ومع القرض وعد بإعطاء أشياء مجانا.
العيد في مصر له نكهة خاصة، ففيه تتزين الأحياء، خاصة الشعبية، بمظاهر العيد ويعود الأطفال مع والديهم محملين بالملابس الجديدة التي سيلبسونها صباح يوم العيد. ومن مظاهر العيد ازدحام المخابز قبيل يوم العيد، بسبب الاستعدادات لعمل كعك العيد الذي هو سمة من سمات العيد في مصر. وكثير من الأسر تتفنن في عمله في البيت. ولهذا الكعك جذور تاريخية.
واليمنيون لهم اهتماماتهم الخاصة. مثلا، من عادات الاحتفال بعيد الفطر في اليمن تجمع الشباب للرقص على دق الطبول على الأغاني التراثية ويسمى هذا التقليد الطاسة. وهناك تقليد آخر يسمى "برع" وهو الرقص بالخناجر مع وضع البندقية على الكتف، وتتم ممارسة هذه الطقوس لإدخال البهجة والسرور في نفوس اليمنيين.
ويحتفل الأتراك بعيد الفطر المبارك كغيرهم من الدول الإسلامية. لكن لديهم عادة خروج الأطفال الأتراك من منازلهم ليدقوا أبواب سكان الأحياء التي يعيشون بها كي يحصلوا على الحلوى، ويطلق الأتراك على هذه العادة عيد السكر. وكانت هذه العادة منتشرة في نجد وربما في غيرها من أجزاء بلادنا في القرن الهجري الماضي.
تشتهر الهند بقوة الاهتمام بتزين الفتيات بالحناء ورسمها على أيديهن وأرجلهن. وهذا لا يعني اقتصار التزين بالحناء في الهند. فهو يمارس أيضا في دول أخرى، ومنها دول الخليج، لكن لكل دولة اهتمامات ونقشات تميزها عن غيرها.
ولدى مسلمي الصين، خاصة شمالي غربي الصين، اهتمامات بإقامة مسابقات.
وأما أهل الشام والأردن فقد اشتهروا كثيرا بالاهتمام بحلوى العيد. ويفضلون كعك العيد المصنوع في المنازل، ويتفننون في صناعته. وهذا ليس بغريب، فهي بلاد اشتهرت عبر الأعوام بالتفنن في الطعام.
أما في ليبيا، فتظهر بوضوح المخزونات الحضارية التاريخية والعادات والتقاليد في المناسبات والأعياد التي تختلف في بعض الوجوه من مدينة إلى أخرى. ويحرص الليبيون على حضور الأطباق الزمنية والحلويات التقليدية، التي تجعل للعيد نكهة مميزة. وبعض العادات أصولها قديمة تمثل طرقا ليبية تقليدية تاريخية، بعضها قبل ظهور الإسلام.
وفي تونس اعتاد الناس على رؤية مظاهر في يوم العيد. ولعل أشهر هذه المظاهر قيام أحد الأشخاص بالسير في الشوارع والميادين حاملا طبلة وعصاة يقرع عليها ويسمى "بوطبيلة" ويشبه المسحراتي في مصر، ليهنئ الناس بحلول العيد مقابل الحصول على بعض النقود.
تقبل الله من الجميع، وكل عام وأنتم بأحسن حال.