عقد الحساسات اللاسلكية

عرفت في مقال سابق الحساسات الإلكترونية، وذكرت بعضا من الأمثلة على أنواعها وتطبيقاتها وأهمية تصنيعها وأثرها في الجانب الدفاعي والأمني والاقتصادي، ولعلي في هذا المقال اليوم أستعرض نوعا خاصا ومهما من أنواع هذه الحساسات ألا وهي الحساسات اللاسلكية تحت الماء أو ما يسمى Under Water Sensors، وكيفية عملها وتطبيقاتها المتعددة، وأنواع التقنيات والاتصالات التي يتم استخدامها لتكوين منظومة أمنية دفاعية متكاملة، إضافة إلى استعراض أهميتها من الناحيتين الأمنية والدفاعية، وأهمية تصنيعها محليا كنوع من أنواع الاستثمارات المهمة اقتصاديا.
تشكل مساحة مملكتنا ما يقارب نحو 80 في المائة من مجمل مساحة شبه الجزيرة العربية ويبلغ طول حدودها البرية ما يقارب نحو 4500 كيلومتر، وتطل على سواحل بطول نحو 3500 كيلومتر. من هنا نرى أهمية المكان والحاجة إلى أنظمة وابتكارات تقنية متطورة ويحتاج أيضا إلى وجود أنظمة وشبكات اتصالية ذات قوة عالية وسريعة وآمنة وأكثر ذكاء، خصوصا ما إذا كانت هذه الأنظمة ستستخدم في أماكن حساسة سواء كانت برية أو تحت الماء. وشكلت أنظمة وشبكات الحساسات اللاسلكية ثورة علمية كبيرة في مجال الاتصالات اللاسلكية، وتحدثت عن ذلك في مقال سابق في مجلة «المهندس» التي تصدرها الهيئة السعودية للمهندسين، ولا سيما في تطبيقاتها المهمة والمتعددة في المجال الدفاعي، وكيفية تكييف هذه الأنظمة للكشف عن المتسللين والمهربين سواء للمناطق الحدودية أو المهمة المحظورة والحساسة. عموما، تعد العقد الحساسة Node Sensor: NS، من أهم مكونات هذه الشبكات اللاسلكية، وهي عبارة عن أجهزة تتميز بصغر حجمها تحتوي على معالج دقيق ذي خاصية وقدرة على الرصد والاتصال اللاسلكي ويرمز له بـ Micro-Controller، وتحتوي كذلك على وحدة تخزين للبيانات ويرمز لها بـ Memory، ومن وحدة إرسال واستقبال ويرمز لها بـ Transmitter and Receiver التي يمكن من خلالها نقل البيانات إلى مراكز التحليل ومعالجتها، حيث تتعدد استخداماتها في هذا السياق، حيث يمكن الاستفادة منها إضافة إلى الجانبين الأمني والدفاعي، في مراقبة الظواهر الطبيعية، مثل الحرارة والرطوبة والاهتزازات الأرضية وغيرها حيث تقوم هذه العقد ذات المستشعرات الحساسة بالتقاط وجمع المعلومات والبيانات في المنطقة المرصودة وإرسالها لا سلكيا من جهاز آخر بالتعاون والمشاركة فيما بينها، إلى أن تصل إلى محطة التحكم والسيطرة أو محطة المراقبة الأساسية ليتم التعامل معها بعد ذلك، ويعد استخدام شبكات المستشعرات اللاسلكية، خاصة تلك التي تحت الماء، من أحد الحلول المتطورة للغاية والمهمة إذا ما نظرنا إلى ذلك من الناحية الأمنية وما تتضمنه من مراقبة وتتبع، والاقتصادية كون استخدامها يعزز إمكانية استخدامها في اكتشاف الموارد البحرية، وتنوع آلية الاتصال المستخدمة، حاليا بعض هذه الشبكات الحساسة التي تستخدم تحت الماء تتعمد في نقل البيانات على الموجات الصوتية Acoustic Waves، إلا أنها لا تحقق المطلوب في ظل الطلب المتزايد على معدلات وكميات البيانات والسرعة العالية، لذا ما زال كثير من الباحثين في هذا المجال يعملون على إيجاد الطرق البديلة والحلول الممكنة عن طريق استخدام أنظمة اتصالات مختلفة كتلك التي تعتمد على الموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic Wave: EMW، حيث تعد أحد الحلول للحصول على السرعة الضرورية لنقل الكميات الكبيرة من البيانات، إلا أن هناك تحديات لاستخدام هذا النوع، خصوصا تحت الماء، وهناك أنواع أخرى يتم العمل على إيجاد الحلول لها في عدد من الأوساط الأكاديمية والصناعية، ويعد هذا مجالا خصبا للتحدي والبحث والإبداع.
وأولت القيادة السعودية مجال الإبداع والابتكار الاهتمام الكبير من خلال كثير من المبادرات والبرامج التي تواكب رؤية مملكتنا الغالية 2030، ومن خلال الشراكات مع كبار الشركات المتقدمة في مجالات التقنيات الصناعية المتطورة، ومن خلال تأسيس الهيئات، مثل الهيئة العامة للصناعات العسكرية، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، وغيرهما، ومن خلال استقطاب رواد الفكر والإبداع والابتكار، وتقديم كل الخدمات والدعم لمثل هذه المشاريع التقنية الإبداعية التي سيحقق الاستثمار فيها فوائد أمنية بتقنيات متطورة وأيد سعودية وطنية، إضافة إلى اقتصاد متنوع متطور ومنافس ومستدام. وأرى أن مسار صناعة الحساسات اللاسلكية بكل أنواعها يعد أحد المسارات المهمة للهيئة العامة للتطوير الدفاعي، على سبيل المثال، لكونه عاملا حاسما ومهما في صناعات وتطوير عديد من الأنظمة الدفاعية وتكاملها، وأهميته من الناحية الاقتصادية، كونه ما زال في مجال البحث والتطوير والابتكار، والتنافس في هذا المسار سيحقق الريادة والاكتفاء الذاتي والتميز المنشود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي