هل زراعة الأرز ممكنة في السعودية؟
لم يكن الأرز الوجبة الرئيسة في المائدة السعودية كما هو اليوم قبل 70 أو 80 عاما مضت، بل كان البر والحنطة أو القمح عموما هو المادة الأساسية للأكلات السائدة آنذاك. وازداد استهلاك السعوديين والمقيمين من الأرز ليطغى على القمح ويتحول القمح للمخبوزات وبعض الأكلات الشعبية، وأصبح استهلاك الأرز يتجاوز المليون طن ليسجل عام 2021، 1,200,000 طن تم استهلاكها محليا من جميع أصناف الأرز المستوردة من خارج المملكة، خاصة من الهند، رغم أنه تم تسجيل إنتاج ضئيل من الأرز الحساوي الشهير قدرت بـ300 طن زرعت في 400 حقل في الأحساء عام 2021 على هيئة حقول صغيرة بين النخيل.
ويعد الأرز الحساوي المسمى محليا "المفلق" منتجا استثنائيا لا يمكن الاعتماد عليه في الاستهلاك مقارنة بغيره من أنواع الأرز المستورد سوى "البسمتي" السائد استهلاكه في المملكة أو أرز "العنبر" أو "البشاوري" أو الأرز "الأمريكي - المصري"، حيث لا يتجاوز متوسط سعر الأرز من جميع هذه الأصناف عشرة ريالات للكيلوجرام الواحد، بينما يباع الأرز الحساوي بـ45 ريالا للكيلوجرام، ويبقى هذا الصنف النادر يحتاج من المسؤولين والقطاع الخاص إلى الاستثمار في تطويره والتوسع في إنتاجه للوفاء بطلبات زبائنه. ويجمع منتجو الأرز الحساوي أنه لا يستهلك كميات كبيرة من المياه، ويحتاج إلى مدة ستة أشهر يسقى فقط في الشهرين الأولين من إنتاجه، إلا أنه عند الحديث عن الأمن الغذائي المحلي من الأرز، فإن الأصناف الأخرى السائدة في المائدة السعودية والمستوردة جميعها بنسبة 100 في المائة تحتاج إلى وقفة جادة لبحث إمكانية زراعة الأرز في المملكة، وهذا أمر ممكن.
إن التقنيات الحديثة في استصلاح الأراضي وتطوير وسائل الري وتحسين الأصناف من الأرز التي تتحمل ملوحة التربة والمياه وقليلة الاستهلاك للمياه، تطورت بشكل مذهل حتى أمكن زراعة بعض أصناف الأرز على مياه البحر وفي الصبخات الساحلية المحاذية له في الصين وفي فيتنام وإندونيسيا وغيرها، ولو على نطاق ضيق، وتزخر المملكة بعديد من الواحات والصبخات المهجورة التي تمثل آلاف الهكتارات من الأراضي البور وتتميز بقرب المياه السطحية فيها، فضلا عن الجوفية، وهذه الصبخات موجودة في منطقة الأحساء خاصة بينها وبين الخليج العربي وفي قرى العيون والمراح والفاضلي وهي أراض حكومية وفيها بحيرة الأصفر الغنية بالمياه وبحيرة D1 التي ينتهي بها الصرف الزراعي، وغير المستغلة زراعيا حاليا، وكذلك توجد هذه الصبخات في دومة الجندل والقريات وبين وادي الدواسر والسليل، وتوجد في مناطق عديدة في الربع الخالي، وفي العوشزية والمليدا في القصيم، وفي منطقة الوشم في القصب، وغيرها، وجميع هذه المواقع تعد موارد طبيعية معطلة، يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلى حقول منتجة للأرز، وليس بعيدا عنا العراق الشقيق الذي كان في يوم من الأيام مكتفيا من الأرز بأصناف متعددة تزرع في مواقع مماثلة.
صحيح أن الأرز يحتاج إلى غمر شتلاته بالمياه في الشهرين الأول من إنتاجه الذي يتطلب من ستة إلى ثمانية أشهر، لكن التقنيات الحديثة في حال البحث عنها وتوطينها محليا، سواء معالجة التربة أو تهجين الأصناف المزروعة، أمر ممكن ويحتاج إلى مبادرة جادة في ذلك. إن استخدام مواد مصنعة من مادة الجيوتكستايل ورقائق البوليثلين عالي الكثافة HDPE وتبطين حقول الأرز بها وإعادة التربة بكميات مناسبة فوق هذه المواد العازلة ثم زراعة الأرز عليها، سيمنع تسرب المياه إلى جوف الأرض وتحتفظ هذه الحقول بالرطوبة اللازمة لبادرات وشتلات الأرز للنمو لحين وصول المحصول إلى موسم الحصاد بعد ذلك دون الحاجة إلى مزيد من المياه، وهذه التربة يمكن معالجتها من الأملاح بعد كل موسم وخلطها بالرمل، خاصة إذا تم اختيار الأصناف التي تتحمل جزءا من الملوحة، وهي متوافرة في مراكز الأبحاث والشركات المختصة بصناعة الأرز.
إن العالم في سباق مع الزمن لتوفير كل دولة احتياجاتها الأساسية محليا دون الاعتماد الكلي على الاستيراد الذي أثبتت الأحداث أنه غير مأمون ولا يعتمد عليه لوحده في الأمن الغذائي للسلع الرئيسة خاصة مما يستوجب البحث في إمكانية زراعة وإنتاج معظم احتياجاتنا محليا من الحبوب والمحاصيل، ومنها الأرز، وكذلك من الأعلاف والزيوت الغذائية مثل زيت دوار الشمس وزيت النخيل وزيت الذرة، وزراعة الشاي والهيل والزعفران، إضافة إلى التوسع في إنتاج الدواجن واللحوم الحمراء والخضار والفواكه، والاستفادة من الميز النسبية التي تمتاز بها المملكة من تعدد مناخها بكل منطقة وتضاريسها الجغرافية وتعدد الأصناف الممكن زراعتها بكفاءة في كل موقع، الأمر الذي سيكون له آثار اقتصادية إيجابية في المستوى الوطني عموما، ولعل تجربتنا الحالية الناجحة في زراعة القهوة العربية واستصلاح المدرجات خير مثال لعدم التردد في زراعة الأرز والزيوت الغذائية.