لا سبب مقنع
أنت تقرأ المقالة الآن من هاتفك بفضل آلاف العمليات التي تمت مذ كان الشيء الذي في يدك ذرات فلزية من مركبات كيميائية منثورة على قشرة الأرض، جمعت بآلات لديها قدرة على الفرز والتحليل وجيوش من البشر يعالجون المتعثر ويجمعون المتكسر وعشرات الشركات لتجهيز المنتج وآلاف السواعد البشرية تنقل إلى معامل التصدير والشحن برا وبحرا وجوا وصولا للمتاجر في العالم ومنها إلى العملاء.
كل هذا الضجيج يحصل دون أن تحس بشيء، وهذا ما يعرف بالخدمات اللوجستية Logistics وهي كلمة مأخوذة من الأصل logic ومن الإغريقية لوجوس أي نسبة أو حساب بحسب المصادر المفتوحة، والمعنى الاصطلاحي العربي يعني إدارة السوقيات عبر العناصر الإدارية الرئيسة وهي المدخلات وإدارة التشغيل والمخرجات، وبحسب تعريف معجم أوكسفورد بأنها: "فرع من العلوم العسكرية يختص بتدبير ونقل والحفاظ على المواد والأفراد والوسائط".
كل المواد والخدمات الموجودة في عالمنا حاليا آتية من سلاسل إمداد وخدمات لوجستية وهو أسلوب تطور أخيرا ليأخذ حيزا من اقتصادات البلدان، بل إن دولا تعده جزءا لا يتجزأ من مواردها السيادية، كأستراليا، التي يسهم قطاع الخدمات اللوجستية بما نسبته 8.6 في المائة من الناتج المحلي، ما يعني 131 مليار دولار مضافة إلى اقتصاد البلد.
إن المملكة اليوم مرشحة وبشكل حقيقي لأن تكون أفضل بلدان العالم في تقديم الخدمات اللوجستية وهذه ليست مبالغة بل حقيقة، وذلك لأن كل الممكنات اللازمة موجودة، طبيعية وصناعية، وليس المجال لحصرها، ومع ذلك فإن مؤشر LPI الصادر عن البنك الدولي لا يعطي دلالة على وجود استثمار حقيقي لتلك المكتسبات، حيث أتى ترتيب المملكة في المؤشر في المرتبة الـ52 بعد أن كنا في المرتبة الـ49 عام 2014 والـ41 عام 2007.
لا يوجد أي سبب مقنع لبقاء هذا المحرك الاقتصادي غير مفعل بالشكل المأمول والمنتظر، إذ إن 20 في المائة من التجارة الدولية تمر من البحر الأحمر، أي ما يتجاوز تريليوني دولار على أقل تقدير، ونستهدف استثمار 59 منطقة لوجستية تعتمد على أرضية اقتصادية هائلة قوامها أكثر من 30 مليون إنسان، فضلا عن الثروات النفطية القابعة فيه، ووجودنا بين قارات ثلاث أهلنا لنتوسط العالم وصار الوصول إلى أكثر من 70 في المائة من بقاع العالم عبر سبع ساعات فقط، لدينا رؤية 2030 عظيمة تصنع من المملكة قصرا مشيدا لكن هناك بئرا لوجستية تحتاج إلى تفعيل أكثر يواكب مستهدفات رؤيتنا وما تحققه من إنجازات متتالية.