رسالة لا تصدأ

"لديك ابن طموح، يعمل بجدية، ابتسامته أضافت كثيرا للمكان، هنيئا لنا جميعا به".
رسالة بعثها أحد مديريي السابقين إلى أبي، بعد أول أسبوع عمل لي تحت إدارته قبل نحو 17 عاما.
لم تكن مجرد رسالة نصية، كانت رسالة حياة.
تعلمت منها أن المدير الحقيقي هو الذي يبني جسورا لم يبنها أحد قبله، يفتح نوافذ جديدة.
يبتكر أنماطا لم يأت بها الأوائل، يبعث الأمل في النفوس، يبذر الكلمات في السطور فتزهر في الصدور.
يشيد علاقة لا تصدأ مع زملائه، يتعامل مع مرؤوسيه كأب، يهتم بهم.
يعتني بطموحاتهم، يراعي مشاعرهم، ويرعى مواهبهم، يحفزهم ويشجعهم.
حروف موجزة كتبها مديري السابق ظلت محفورة في داخلي كوشم في جدار أعماقي.
احتفظت بها في قلبي وذاكرة جوالي طوال تلك الأعوام.
قد تبدو مجرد كلمات قصيرة، لكن لها دلالات عميقة أضحت بوصلة ترشدني وتوجهني.
أدركت حينها أن المسؤول هو من لا يظل أسير مكتبه، فيكتفي بإصدار توجيهات وأوامر صماء، وإنما هو من يبحر مع فريقه.
يمخر عباب التحديات معهم، تسكنه همومهم، يعيش أحلامهم، يعايش ظروفهم، يرفعهم ويرتفع معهم.
كلما عملت مع فريق عمل متميز في أي جهة أهرع إلى سؤالهم عن اسم رئيسهم.
فالفريق المبهر قطعا خلفه قائد فذ، يلامس الأفئدة، ويهز الوجدان، ويحرك الأبدان.
ألهم موظفك، قاتل في سبيله، ليقاتل من أجلك، وفر بيئة تنافسية ممتعة له ولأقرانه، جربه.
امنحه فرصا قيادية، إذا لم يذهلك فلن يخذلك، سيبذل كل ما في وسعه، ستزداد إنتاجيته، سيكسب وتكسب ونكسب، امدحه بتبذير، وعاتبه بتقشف، اشرع له باب مكتبك وباب قلبك.
اكتب له كما تكتب إلى صديق عزيز، لا تجعله يخافك، بل يحترمك.
أسوأ مدير هو الذي لا تستطيع الوصول إليه، إذا لم تصل إليه لن يصل، سيظل يراوح مكانه،
سيغادر كل مدير مقعده عاجلا أم آجلا، وستبقى صورة واحدة فقط عنه، إما ناصعة أو مظلمة.
فهو من يقرر هل تكون مضيئة أم معتمة؟
وتذكر: كلما مكنت زملاءك تمكنت، وكلما أسعدتهم سعدت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي