خوض عالم أكثر هشاشة «3 من 3»
في ظل هذه البيئة الاقتصادية الصعبة، يحتاج كثير من الدول أيضا إلى المساعدة على التعامل مع الدين الذي ارتفع بسبب أزمة كوفيد. ويمثل هذا تحديا خاصا للعالم النامي. فأكثر من ربع الاقتصادات الصاعدة إما تخلف عن السداد وإما طرح سنداته للتداول بأسعار بخسة، وأكثر من 60 في المائة من الدول منخفضة الدخل بلغت مستوى المديونية الحرجة ـ أو أن احتمال وصولها إليه بات كبيرا. ويؤدي هذا إلى ارتفاع مخاطر تفاقم أزمة الدين في هذه الدول ـ ما يضر بالناس كما يضر بالنمو العالمي والاستقرار المالي.
وللحد من مخاطر أزمات الدين، يتعين على كبار الدائنين مثل الصين والقطاع الخاص، الاضطلاع بمسؤولية التحرك لمواجهتها. والإطار المشترك الذي وضعته مجموعة العشرين متاح لدعم تسوية ديون الدول منخفضة الدخل. غير أن هذه العملية يتعين أن تسير بسرعة أكبر، كما يتعين أن يصبح التنبؤ بها أكثر سهولة. وحول التنشيط والتحويل، وأن هذه الإجراءات العاجلة ضرورية، إلا أنها لن تكون كافية لتنشيط الاقتصاد العالمي وبناء الصلابة في فترات زيادة الهشاشة. ولذلك، نحتاج إلى إصلاحات تحويلية ـ وهي جهود يمثل دعم دولنا الأعضاء فيها محور تركيز أساسيا في عمل الصندوق.
نأخذ الموارد العامة على سبيل المثال. فباستطاعة الدول استخدام أطر المالية العامة متوسطة الأجل لجعل مواردها المالية أكثر استدامة، وكذلك إيجاد حيز أوسع للإنفاق في ميزانياتها العامة. وهذا الحيز المالي يمكن استخدامه في الاستثمار في الموارد البشرية وفي الاقتصادات الأكثر إنتاجية ـ في الصحة والتعليم وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي. وينطبق هذا على البنية التحتية الرقمية لفتح الأبواب أمام الابتكار والخدمات الحكومية الرقمية الحديثة التي تتمتع بدرجة أكبر من الشفافية والكفاءة.
ولنتذكر كيفية استخدام السياسات الذكية التي نعمل على تحقيقها ـ كالتدريب أو تمكين قوة عمل مهيأة لاستخدام الأدوات الرقمية ـ لمساعدة الناس على الانضمام إلى قوة العمل والبقاء فيها، خاصة النساء والشباب. إنه درس إيجابي يمكن أن نستخلصه من الجائحة لإيجاد فرص دائمة يمكن أن تحد من عدم المساواة وتشجع تحقيق نمو أكثر استمرارية على المدى الطويل. وبالطبع، فإن الأسباب الأعمق للهشاشة العالمية لا يمكن معالجتها إلا من خلال عمل الدول يدا بيد.
ويعني هذا التصدي للآثار المروعة التي يجلبها التشرذم. وسأسوق بضعة أمثلة للمجالات التي يعد توثيق التعاون الدولي فيها مطلبا ضروريا: نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل التصدي لانعدام الأمن الغذائي الحاد ـ الذي أصبح يؤثر في عدد مذهل من الناس، 345 مليون شخص. وفي هذا الصدد، يساعد الصندوق من خلال أداة جديدة هي "نافذة مواجهة صدمة الغذاء" التي تمثل جزءا من أدواتنا للتمويل الطارئ ـ بهدف مساعدة الدول الأشد تأثرا بصدمات معدلات التبادل التجاري.
ونحن بحاجة أيضا إلى تعاون أقوى بكثير لمعالجة الخطر الوجودي الذي يهدد الإنسانية ـ ألا وهو تغير المناخ. فبإمكاننا النجاة من التضخم، ومن مشكلة الركود، لكن لا يمكننا النجاة من أزمة مناخية خارج السيطرة. وسيعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 في الشهر المقبل ـ ويتعين علينا الاستفادة منه في تأمين تحرك أكثر حسما.
وللمساعدة على التحول إلى اقتصادات أكثر خضرة واستدامة، أنشأنا أولى أدواتنا للإقراض طويل الأجل، الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة. وحصلنا بالفعل على تعهدات لتمويله بقيمة 40 مليار دولار، ونستهدف مضاعفة هذا الرقم من خلال الاستثمار الخاص ـ وهو ضروري للغاية من أجل توفير تريليونات الدولارات اللازمة للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره.
ومن خلال ما نقدمه من مشورة بشأن السياسات، يساعد الصندوق دوله الأعضاء على تحديد الإجراءات الصحيحة لمواجهة الأزمات المتعددة. ودعمنا بجهودنا في مجال تنمية القدرات 174 بلدا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية في مجالات أساسية، من تعبئة الإيرادات المحلية إلى استمرارية القدرة على تحمل الدين إلى إدارة الاستثمار العام.
ومن خلال دعمنا المالي، ساعدنا الدول للحفاظ على إمكانية وصولها إلى السيولة. فمنذ بداية الجائحة فقط، قدمنا 258 مليار دولار إلى 93 بلدا. ومنذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، دعمنا 16 بلدا بتقديم نحو 90 مليار دولار. ويضاف هذا إلى التوزيع التاريخي لحقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار في العام الماضي. ففي عالمنا الذي بات أكثر عرضة للصدمات، يواصل الصندوق تكثيف جهوده ـ وأعدكم بأن نستمر في هذا الاتجاه.
لقد عرفت أثينا أيضا بأنها راعية حرفة النسج. وإذا كان لنا أن نشق طريقنا عبر هذه الفترة من الهشاشة التاريخية، فيجب أن ننسج نسيجا اقتصاديا واجتماعيا جديدا يتسم بمزيد من القوة والصلابة أمام الضغوط التي يواجهها عالمنا اليوم. إننا نستطيع القيام بذلك، فبالعمل معا، تمكنا من التغلب على أسوأ فترة في أزمة كوفيد. وبالعمل معا، يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقا ورخاء للجميع.