الابتكار .. تقنيات إلكترونية رقمية مطورة

أحدثت التقنية الرقمية، ثورة كبرى، خلال العقد الأخير، في كل فضاء من فضاءاتنا البشرية، وجعلت حياتنا أسهل وأكثر ملاءمة وراحة وأفضل دقة ومتعة، نتيجة كل هذه التطورات المتسارعة التي شملت فضاءات الاتصالات والمعلومات والشمول المالي والوصول إلى التجارة والخدمات العامة، وأماكن العمل والترفيه والسفر والسياحة والخدمات المصرفية والتسوق، وتجاوزتها للمجالات الدفاعية، وصولا إلى أنظمة وأجهزة وموارد رقمية لبناء البيانات أو تخزينها أو معالجتها، ومثل ما نشاهده اليوم في قطاعات شتى مثل وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة والهواتف الذكية المحمولة، وكذلك مجالات الألعاب الرقمية، العادية أو تلك التي تكون من خلال وعبر الشبكة المعلوماتية العالمية، "شبكة الإنترنت"، التي باتت اليوم أسهل وأكثر قدرة على الحركة من أي وقت سابق، بحيث أضحت الأجهزة متعددة المواصفات والقدرات ممكنة بفضل التطورات التقنية والإلكترونية الحديثة، وباتت أجهزة الحاسبات المكتبية والمحمولة بمختلف أنواعها، أسرع وأدق وأكثر قوة مما كانت عليه في الأزمنة السابقة!
وللتقنيات الرقمية، تأثيرات كبيرة جدا وقيمة أكبر وفي الغالب تكون في غاية الأهمية لكل صناعة من الصناعات القادرة على الإنتاج بسرعة أكبر وفاعلية أشمل وكفاية أعظم وأمان ودقة لا مثيل لهما، حيث تكمن التأثيرات الثلاثة المحورية لهذه التقنيات في القطاع الصناعي، وفي زيادة الإنتاج، وفي إعادة هيكلة سلسلة التوريدات الضخمة، التي سبق أن تطرقت إليها في مقالات سابقة وذكرت بعضا من الأمثلة لهذه النماذج والتقنيات الرقمية في هذا السياق، من ذلك على سبيل المثال، الكائنات الروبوتية، البطاريات الكهربائية، الأطباق الطائرة، وصناعة الألعاب الرقمية، ولعلي اليوم أتحدث عن تقنية ابتكارية جديدة ظهرت وبشكل قوي على أرض الواقع، وهي نوع من أنواع التقنيات الرقمية التي تعتمد وبشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، وأظهرت بل أكدت لنا أن المستقبل التقني وعالم الابتكارات يخبئ لنا كثيرا من المفاجآت، هذا النوع من التقنيات هو التقنية الروبوتية للمحادثات الفورية، أطلق عليها اسم "شات جي بي تي" تم تصميمها بوساطة باحثين وعلماء في أحد مختبرات الذكاء الاصطناعي في شركة أوبن أيه آي الأمريكية.
ولا شك أن هناك ثورة ابتكارية تقنية إلكترونية ورقمية مقبلة، في ظل الدعم والتنافس في منظومة البحث والتطوير والابتكار التي نشاهدها بين الدول.

على سبيل المثال، تمكنت مجموعة من العلماء والباحثين في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، أخيرا، من تطوير ترانزيستور ينقل المعلومات عن طريق الضوء بمعدل الاتو ثانية "وحدة زمنية تخضع إلى نظام الوحدات الدولي"، وهو يعد الأول والأسرع من نوعه على مستوى العالم، وغيرها من الابتكارات الرقمية المتطورة التي بتطبيقها عمليا ستحدث نقلة نوعية في عالم الاتصالات عموما، ما سيزيد من القدرة على إرسال كميات ضخمة من البيانات وبسرعات عالية وبدقة متناهية.
ومن الأمثلة كذلك، عمل الباحثون في مختبرات شركة أوبن أيه آي وشركائهم، مثل شركة مايكروسوفت التي تعد الشريك والمستثمر الرئيس، على تطوير روبوت للمحادثة الفورية يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث في 2020، أعلنت الشركة تطويرها نموذج "جي بي تي"، وهو نموذج لغوي تم تدريبه على مجموعات من البيانات من شبكة الإنترنت "ضخمة جدا"، بحيث يكون الهدف منه التوصل إلى الإجابات وبشكل سريع جدا عن أي أسئلة طبيعية، إضافة إلى بعض المزايا الأخرى مثل إمكانية الترجمة بين اللغات، والقدرة على إنشاء النصوص المرتجلة وتكون بشكل مترابط، وفي أواخر 2022، أعلنت الشركة روبوت المحادثة الجديد، القائم على نموذج جي بي تي، ويعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، واستخدام تقنية تعلم الآلة العميق، واستخدام شبكات العصب الاصطناعي العميقة، وحقق ما يقارب 100 مليون مستخدم بعد إطلاقه بفترة قصيرة جدا، على الرغم من امتلاكه مجرد واجهة بسيطة ووجود شريط نصي في الأسفل يمكن المستخدم من الكتابة لأي طلب وبحث "نصي" يريده، إلا أن ما يميز هذه التقنية عن بقية التقنيات المشابهة، مثل أليكسا المساعد الصوتي لـ"أمازون"، وسيري المساعد الصوتي لشركة أبل، هو التفاعل مع المستخدمين بطريقة طبيعية وسلسة والحصول على الإجابات لجميع الاستفسارات في أي من المجالات باختلافاتها سواء كانت عامة أو متخصصة، وبشكل سريع وفوري وبدقه عالية في كثير من الأحيان، من خلال عمليات التحليل التي يقوم بها آليا وفهمه محتوى النصوص والرد عليها بطريقة ذكية، مع العلم أنه تم طرح نسختين من هذا البرنامج، الأولى مجانية محددة بأعداد المستخدمين، ما يسبب في زيادة فترة الانتظار للسماح باستخدامه عند كثرة أعداد المستخدمين عن العدد المحدد، والنسخة الأخرى بتكلفة شهرية نحو الـ20 دولارا، وهي غير محدودة بأعداد معينة من المستخدمين، الجدير بالذكر أن قيمة الشركة تضاعفت خلال العامين الماضيين وتتوقع عوائد بقيمة مليارات الدولارات خلال 2024.
وأولت المملكة اهتماما كبيرا بمنظومة البحث والتطوير والابتكار سواء كانت المدنية منها أو الدفاعية، ومن ذلك قطاع الاتصالات والتحول الرقمي ودعمته بعديد من المبادرات والبرامج وجعلته من مستهدفات رؤية المملكة 2030، وأرى أن توجيه المراكز البحثية في الجامعات والهيئات المعينة ومراكز ريادة الأعمال إلى مثل هذه التقنيات الابتكارية بخطط مدروسة وواضحة، سيحقق كثيرا من العوائد الاستثمارية، والتطلعات الاستراتيجية التنافسية والريادية، ويحقق مستوى أعلى من جودة الحياة ورفاهيتها، وسيظهر أثر ذلك من خلال الإسهام في إيجاد اقتصاد معرفي متين مبني على البحث والتطوير والابتكارات التقنية النوعية المتجددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي