الصين والاستفادة من الأزمة المصرفية الأمريكية «2 من 2»

عمل موظفو بنك الاحتياطي الفيدرالي على وضع نماذج لمحاكاة التأثيرات المترتبة على الانخفاضات الحادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والارتفاع الشديد في معدلات البطالة، وانهيار أسواق الأصول، أو الصدمات التي افترضنا أنها تأتي مصحوبة بتراجع التضخم "إلى مستويات تقترب من الانكماش الصريح" وانخفاض أسعار الفائدة.
بطبيعة الحال، هذه الصدمة الافتراضية التي يسميها الاحتياطي الفيدرالي "السيناريو الإشرافي شديد السلبية" هي تحديدا عكس صدمة أسعار الفائدة التي ضربت بنك سيليكون فالي. في اختبار الإجهاد الذي أجراه في شباط (فبراير) 2023 أقر الاحتياطي الفيدرالي بأنه يجب أن يبدأ التفكير بتوسع في شأن صدمات مختلفة، كما سمح بإمكانية حدوث "صدمة سوق استكشافية" جديدة التي تظل تعد ركودا، وإن كان ذلك الركود مصحوبا بتضخم أعلى. لكن بلغة مقتضبة قرب نهاية تقرير اختبار الإجهاد الأخير، لاحظ بنك الاحتياطي الفيدرالي أن أي نتائج استكشافية لأي شركة محددة لن تكون متاحة حتى حزيران (يونيو) 2023. ولم تبدر أي إشارة إلى أن مثل هذه النتائج قد تنشر على مستوى البنوك الإقليمية الأصغر حجما. وهذا تحرك ضئيل للغاية ويأتي متأخرا أكثر مما ينبغي.
لكن ما علاقة هذا بالصين والصراع الصيني - الأمريكي المتصاعد؟ على مدار الـ20 عاما الأخيرة، زعمت مجموعة من القيادات الصينية رفيعة المستوى أن أمريكا تعيش حالة من التدهور الدائم، ما يتيح الفرصة لصعود الصين عالميا. اكتسبت هذه الرؤية الدعم في أعقاب الأزمة المالية التي صنعت في الولايات المتحدة، ومن المؤكد أنها ستكتسب مزيدا من الدعم مع تسبب أزمة بنك سيليكون فالي في الإضرار بقسم جديد من النظام المالي الأمريكي.
من غير المتصور أن تطلب الصين الصاعدة أكثر من هذا. ففي وقت يعاني النظام المالي الغربي مرة أخرى ضعفا جلبه على ذاته، تكاد صورة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينج وهما يتعانقان كأي "صديقين عزيزين"، تنبئنا بكل شيء. من الواضح أن الصين تعد الحرب الباردة والعسكرية في أوكرانيا ثمنا زهيدا تدفعه لتعزيز سعيها إلى فرض هيمنتها الجيوستراتيجية.
تنطوي رؤية الصين لأمريكا المضمحلة على حاشية مهمة. ففي حين ألمح ماو تسي تونج إليها مستخدما عبارات عامة: "نمر أمريكي من ورق.. يئن تحت وطأة سكرات الموت"، عـرض وانج هونينج هذه الحجة بالتفصيل لأول مرة في كتابه المنشور عام 1991 بعنوان "أمريكا ضد أمريكا". استنادا إلى ملاحظات وانج المباشرة أثناء إقامته في الولايات المتحدة، فقد انطوى الكتاب على انتقاد لاذع لانحلال أمريكا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
لا شك أن وانج ليس شاهدا بريئا على شراسة الصين الجديدة. فقد كان كبير المستشارين الأيديولوجيين للرئيسين اللذين سبقا شي جين بينج مباشرة، جيانج زيمين وهو جينتاو، كما اضطلع بدور مشابه في عهد شي باستعراض وشرح "فكـر شي جين بينج" بكونه المرساة الأيديولوجية الجديدة للصين. الواقع أن وانج، وهو واحد من اثنين فقط ممن احتفظا بمنصبيهما وظلا ضمن فريق القيادة العليا المكون من سبعة رجال "اللجنة الدائمة للمكتب السياسي"، جرى تعيينه للتو رئيسا للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. ولا يعمل فشل بنك سيليكون فالي إلا على ترسيخ وتعزيز مكانة وانج.
في النهاية، من المفيد أن نتأمل في أصل الكلمة الصينية. في لغة المندرين الصينية، تحمل كلمة " " "أزمة" معنى مزدوجا - الخطر والفرصة. ومن بنك سيليكون فالي إلى وانج هونينج، هذا تحديدا الغرض من التفاعل المقلق على نحو متزايد بين صدمة مالية أخرى مصنوعة في الولايات المتحدة وحرب باردة صينية - أمريكية متصاعدة بشكل حاد. يبدو أن الصين الصاعدة تصوب مباشرة وبثبات على أمريكا المبتلاة بالأزمات.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي