ما بعد الإنسان
سجلت البشرية أخيرا رقما قياسيا جديدا في عدد السكان إذ بلغ ثمانية مليارات نسمة، وبهذه المناسبة من المؤكد أنك شاهدت فيلما يتحدث عن زوال البشرية جراء غزو فضائي غاشم من كائنات لها قدرات خارقة تحدث دمارا شاملا، وعادة ما يكون الغزو من كائنات فضائية متطورة لها هياكل معدنية وأشكال روبوتية تتحول مع الوقت ومع تطور الإنسان إلى الآلات صديقة للبشر وتتعايش معه وتتعاون من أجله.
هذه الصور النمطية طالما صدرتها أفلام هوليوود للعالم وإن كانت خيالا علميا إلا أنها أنشأت خوفا ورعبا من الآلة التي تعد صورة صغيرة من التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم وإحدى الأدوات المهمة لتحقيق إنتاجية أكثر من أي وقت مضى مع ازدهار اقتصادي يرفع مستوى المعيشة وجودة الحياة، ولا يمكن تجاهل الوجه الآخر للطفرة العلمية وتهديدها للوجود الإنساني.
بين الخوف من الآلة والثقة بها نشأ اتجاه فكري "لما بعد الإنساني" الذي يدعو إلى الاحتفاء بعصر الآلات الهجينة التي ستمكن الإنسان من تجاوز ضعفه وتحقق له الخلود، وهو حلم طالما راود كثيرا من البشر.
إن حلم الإنسان هو أن يعيش طويلا وبصحة لذا فإن فكرة الخلود مستقرة في الذاكرة الجمعية، فالمحاولات مستمرة لإيجاد بدائل تقوم بالدور المنوط بالإنسان القيام به في مواقع الخطر، مثل طائرات الدرون للكوارث والقيادة الذاتية للوقاية من حوادث الطرق أو الحد منها. هناك من يذهب بعيدا كما يقول صاحب كتاب فيزياء المستحيل ميشيو كاكو إلى كون الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي والهندسة الوراثية والمعلوماتية، ستقود العالم إلى تخطي حدود المستحيل عبر قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاوز حدود قوانين الفيزياء المعروفة، وسبر أغوار الكون المجهول وتمكين الإنسان من التحكم "المطلق" بالطبيعة.
فيما يتوقع كارزويل صاحب كتاب "الآلات الروحية" بأنه وقبل نهاية القرن المقبل لن تظل الكائنات البشرية هي أكثر الكائنات ذكاء ومقدرة على كوكب الأرض، فهو يتنبأ بتفوق الآلات الذكية على الإنسان وبالتالي بروز وتشكل حضارة ما بعد الإنسان، فيما تتجه الأبحاث في الذكاء الاصطناعي للتحضير إلى ذلك، والاعتقاد بأن الآلة الذكية ستتمتع مستقبلا بما يفوق الخصائص الإنسانية فهي لن تحاكي الذكاء الإنساني، بل تتجاوزه. وأقول لا يمكن التنبؤ بما يخبئه المستقبل كما أنه لا يمكن رفض أي فكرة حتى لو كانت يوما في أفلام الخيال العلمي.