عندما يكون الاتصال أزمة

في اللحظة نفسها التي كان يسمع فيها كابتن طائرة شركة ساوث وست إيرلاينز دوي انفجار المحرك الأيسر وهو يطير في الجو، كان العالم بأسره يشاهد الحادث حيا على الهواء عبر بث فيسبوك لايف.
الطائرة التي كانت قادمة من نيويورك إلى فيلادلفيا الأمريكية هبطت على المنصات الاجتماعية قبل أن تصل إلى الأرض، ونزل الخبر أشد من الانفجار في وسائل الإعلام وأسرع من نزول الركاب، بيد أن الأكثر دهشة أن تسبق عواجل وكالات الأنباء خراطيم شاحنات الإطفاء التي مدت للتو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لهذه الطائرة المعطوبة بدنيا والمنكوبة اتصاليا.
جاء ذلك بعد أن وثق أحد ركاب الطائرة الحادثة فور تدلي علب الأكسجين من سقف الطائرة التي كانت تبث خدمة Wi-Fi وتابعته وسائل الإعلام وأخذت تنقل عنه بوصفه أحد شهود العيان. وعلى الرغم من هول القصة اتصاليا والفنتازيا المخرجة بطريقة عفوية، التي بدت من الوهلة الأولى أنها أعمال هوليوودية إلا أن الخسائر على الأرض أقل من مستوى الحدث في الإعلام.
هذه الحالة الاتصالية المثيرة للجدل لفتت الانتباه إلى مخاطر محدقة على مقدمي خدمات الطيران، وألقت الضوء على ظواهر اتصالية مقلقة حينما تتحول إلى قضية رأي عام، ومصدر الخطورة أنها سلاح فتاك أصبح في أيدي الجماهير باستخدام تقنيات البث المباشر، وصارت آراء الجماهير هي المسيطرة والتي تدير المشهد بدلا من وسائل الإعلام. وبحسب مراقبين فإن هذا الحادث الأول من نوعه من حيث السرعة والآنية وتوثيق الحدث مباشرة وتسابق وكالات الأنباء على نشره بالصوت والصورة، الأمر الذي شكل انعطافا جديدا من كيفية معالجة الأزمة والتعامل معها في ظل هذا التسابق الذي لا يمكن سبقه أو وقفه.
الحدث قلب المعادلة الاتصالية، في المعتاد أن الاتصال أحد حلول الأزمة، وسبب انفراجها، لكن ما يحدث هنا العكس، فقد تسبب الاتصال في حدوث أزمة هائلة انتهت إلى خسارة فادحة في السمعة وفقدان الثقة، علاوة على خسارة ملايين الدولارات جراء الأضرار التي لحقت بمحرك الطائرة وبدنها.
لم ولن يكون هذا الحادث الأخير على كل حال، فبعد هذه الحادثة بوقت قصير وثق مسافر روسي حادث طائرة في جنوب إفريقيا باستخدام منصة يوتيوب، ولا ندري ماذا تخفي الأيام المقبلة، وعلينا الاعتراف بأننا وصلنا إلى مستوى أزموي خطر على صناعة الطيران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي