طير شلوى

من أقسى الطرق التي سيجني الأهل ثمارها في المستقبل حسرة وندما، هي التفرقة في المعاملة بين الأبناء، مهما كانت أعذار الوالدين وتبريراتهما في التفرقة، فسيظل ذلك غير مقبول. البعض يستند إلى أعذار واهية، منها أن بعض الأبناء متفانون في برهم وخدمتهم، وهادئون منذ الصغر، ومطيعون ولا يتعبونهم في التربية، بينما البعض الآخر من الأبناء أشقياء ومتمردون ومشكلاتهم كثيرة ومتعبون في التربية.
هذا المقياس التقليدي الذي يعتمد عليه الأهل في ميزان التعامل مع الأبناء لم يعد يجدي نفعا في هذا الزمن، الذي ينتظر غفلة بسيطة من الأهل وعدم احتواء، ليقدم هؤلاء الأبناء لقمة سائغة للمخدرات والإرهاب والانحراف الفكري والأخلاقي. الإحساس العميق في قلوب هؤلاء الأبناء بعدم العدل في المعاملة سيتراكم على مر الأيام والأعوام غضبا وحقدا وشعورا بالدونية وغيرة. تتلاطم أمواجها بشراسة عند كل موقف تم فيه إقصاؤهم عمدا أو غير عمد، من الاهتمام والثناء والتقبل لهم في العائلة. رسالة مؤلمة وصلت إلي من شاب يقول فيها، "منذ صغري وأمي وأبي يتفننان في التفرقة بيني وبين شقيقي الأكبر، بحجة أنه مطيع وبار ومهتم بدروسه، ولا يسبب لهما المشكلات، بينما أنا (أقشر أغبر) وكسلان ولا أسمع الكلام، كانت هذه مبرراتهما التي تبيح لهما مدح شقيقي أمامي في كل مناسبة ومحفل وجلسة عائلية. وليت الأمر توقف على ذلك، بل ربطا كل شيء أفعله ولا يعجبهما بقولهما (ورى ما تصير مثل أخوك طير شلوى)، ورغما عني بدأت مساحة الغيرة تتمدد في صدري تجاه أخي، وبدأت أحقد عليه، لأنه كان بالنسبة لي تلك المرآة المكسورة التي أرى فيها صورتي المشوهة في عيني والدي ووالدتي، والتصقت بي معايرتهما الدائمة بأني مثل (طير ابن برمان) الذي لم يجلب سوى النحس والشر والمتاعب.
لم أكمل دراستي الجامعية، واتجهت إلى التجارة رغم تأكيدات الأهل بأني سأفشل وسأسجن بسبب الديون وتوسلاتهم لي أن أكون مثل أخي المتفوق "طير شلوى" الذي كان يكمل الماجستير في الخارج. نجحت في تجارتي وأصبحت مليونيرا، وتوظف أخي، ومرت الأعوام تعقبها الأعوام، وفي يوم وقع أخي في دين، وجاء يطلبني المساعدة، ورفضت، وتم سجنه لأشهر عدة. كانت لحظة رفضي طلبه هي الفاتورة المرهقة التي دفعت ثمنها غاليا لأتلذذ برؤيته منكسرا، كما كنت منكسرا طوال حياتي بسببه، ومنذ ذلك الموقف بيني وبينه قطيعة، فهل أنا مخطئ؟".
وخزة
يقول رسولنا الحبيب: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم». القطيعة والغيرة وجفاف المشاعر بين إخوان اليوم هي حصاد التفرقة في المعاملة بينهم بالأمس. تلك حقيقة لا يمكن نكرانها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي