دعوات يوم عرفة
نمضي في هذه الحياة عاما تلو الآخر ما بين آمال تتحقق وآمال تخبو، وأحلام نحتفل بإنجازها وأحلام تنطفئ في داخلنا، وانكسارات تدمي قلوبنا ونجاحات تزهر في أرواحنا، هكذا هي سنة الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، ونحن البشر أغلبنا يركز على المفقود لا على الموجود، لذلك نعتقد دوما أن سعادتنا لن تكتمل إلا حين يتحقق لنا ذلك المفقود. هذه الطبيعة البشرية هي الغالبة في كثير من الأحيان، لذلك يجب أن نعلم أن مساحة الأحلام الشاسعة في حياتنا وسقف توقعاتها المرتفع سيتسببان لنا في التعاسة لا السعادة. هذه الحقيقة ستجعل كثيرين يدركون لاحقا أن السر الحقيقي في تحقيق السعادة هو السعي الدائم مع الأخذ بالأسباب والدعاء والإلحاح لمسبب الأسباب. وفي هذا اليوم الثلاثاء التاسع من ذي الحجة نحن نعيش أعظم يوم أشرقت عليه الشمس «يوم عرفة»، الذي قال فيه الحبيب -عليه الصلاة والسلام-: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»، لذلك اجمع كل تلك الأمنيات المدفونة في داخلك التي تخشى أن يعرف بها الآخرون فيهمشونها ويقللون منها، واجمع تلك الأحلام المزهرة في أعماقك التي لم تخبر بها أحدا من الناس خوفا من ضحكة ساخرة أو تعليق مؤلم، واجمع تلك العثرات التي حفيت قدماك وأنت تركض بين طرقات الحياة ترجو تحقيقها ولم تتحقق، واجمع دمعا لك جرى فوق خديك في ظلام الليل حين انكسرت ولم يطبطب عليك أحد، واجمع آلاما عصرت فؤادك وحيدا وجاهدت في الاتكاء عليها حتى لا يشمت بك قريب أو غريب. كل تلك الأشياء الجميلة التي تحلم بحدوثها، وكل تلك الأشياء القبيحة التي لا ترجو حدوثها، اجمعها فوق كفيك وارفعها نحو السماء في دعوة صادقة بيوم عرفة، وكن ملحاحا ومتضرعا وواثقا بأن الله لن يردك صفر اليدين في هذا اليوم العظيم، ثم استودع الله كل دعواتك، وانتظر بشائرها حين تهطل على روحك، مثل هذه المواسم العظيمة يجب أن نغتنمها بإحساس روحاني عميق، ونعمل بجهد حقيقي لأن نعيش أجواءها مع العائلة، ونرسخ معانيها العميقة في نفوس أطفالنا، في يوم عرفة لا تجعل شيئا يشغلك عن دعواتك فكل شيء يعوض إلا الدعاء في يوم عرفة.
وخزة
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه «ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».