أزواج ناعمون

في فترة الخطوبة يعيش الزوجان الحلم الوردي والحياة الحالمة، فتظهر له أروع ما في شخصيتها من دفء وحنان واحتواء، وتشعره بأنها تلك الأنثى الحالمة التي سيعيش معها حكايات ألف ليلة وليلة، وفي المقابل يشعرها بأنه ذلك الفارس الشهم الذي يمتطي حصانه الأبيض قادما نحوها بكل رومانسية واعدا إياها بأنها ستكون أميرة قلبه ورفيقة حياته التي سيغرقها بعشقه واهتمامه. كلماتها حين تحادثه تقطر عسلا وعشقا وعباراته حين يحادثها مغموسة بالشهد والهيام، ثم يتزوجان ويجمعهما بيت واحد وشيئا فشيئا يكتشف كل منهما الشخصية الحقيقية للآخر حين يصدمان بمسؤوليات وواجبات الحياة الزوجية وتبعاتها ومتطلباتها، وهنا يتحول الحلم الوردي إلى أنين وشكوى وتذمر وندم، ويهرع كل منهما لمراجعة قراره في التراجع والهروب، أو الصمود ومحاولة التأقلم مع كثير من عدم الارتياح والتوجس.
هؤلاء الأزواج الناعمون معظم مشكلاتهم تدور في فلك التفاهة والقشور والأمور السطحية، تغضب لأن زوجها لم يوافق على سفرها مع صاحباتها، أو لأنه ينتقدها بسبب كثرة ترددها على الكافيهات والمطاعم والمولات مع أخواتها وصديقاتها، أو لأنه لم يعد رومانسيا كما في مرحلة الخطبة ... إلخ، أما هو فيغضب لأن زوجته ليست "فرفوشة ودلوعة" مثل اللاتي يشاهدهن بالسناب والتيك توك، أو لأنها لم تعد تلك المرأة الأنيقة الناعمة قبل الزواج، أو لأنها لا تشجع فريقه المفضل ... إلخ، فيتشاجران وأول الحلول التي تخطر في عقليهما هو الطلاق.
هؤلاء الأزواج الناعمون لا يدركون أن الحياة الزوجية مثل السفينة التي تمخر عباب البحر مهما كانت قوة صناعتها ومتانة جوانبها، إلا أنها معرضة للتحطم والغرق، حين يتنازع قيادتها قبطانان، وحين تتغير اتجاهاتها حسب الأهواء، وحين تزداد حمولتها أكثر من الحد المسموح، وحين لا يهتم أحد بتفقد مراكب النجاة قبل انطلاقها، إشكالية الأزواج الناعمين أنهم لا يدركون إلا متأخرا أن الزواج التزام ومسؤولية وواجبات وحقوق وتعهد وميثاق غليظ.
الحل للأزواج الناعمين يكون جذريا ونافعا قبل الزواج أما بعده فنحن نحتاج إلى جهد ووقت وغربلة عقلية ليدرك هؤلاء قيمة الأسرة التي تم بناؤها، حين يتعلق الأمر بالزوجين فقط فإن الأضرار المتوقعة ستكون محصورة، لكن بقدوم الأطفال ستكون الأضرار وخيمة والضريبة مؤلمة للأسرة والمحيط العائلي والمجتمع، الأنانية الطاغية على الزوجين ورغبة كل واحد منهما في التحكم بالآخر وترويضه وإلغاء شخصيته هو نوع من المرض النفسي الذي يحتاج للتدخل العلاجي والسلوكي.
وخزة
الأسرة ليست لعبة المكعبات البلاستيكية تفككها وتعيد تركيبها على مزاجك، فأفرادها بشر وروح وعقل لا قطع بلاستيكية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي