الاستثمار في الهيدروجين .. الآفاق والطموحات
تدعم مجموعة من شركات الطاقة والحكومات الهيدروجين الأخضر، بوصفه المصدر التالي الواعد للطاقة. ويحظى الوقود بشعبية كبيرة لأنه يمكن استخدامه لإزالة الكربون من قطاع النقل. ويمكن استخدامه أيضا في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، مثل صناعة الأسمنت والحديد والصلب. وبما أن كيلوجراما واحدا من الهيدروجين يحتوي على نحو ثلاثة أضعاف الطاقة الموجودة في
كيلوجرام واحد من البنزين، فإن كثيرين ينظرون إليه على أنه وقود مهم لتحول الطاقة. لكن على الرغم من التفاؤل الكبير بشأن مصدر الطاقة هذا، يتهم البعض الشركات بالمبالغة في نظافة الهيدروجين الأخضر عند إنتاجه في أماكن معينة. إضافة إلى أنه لا يزال يواجه عديدا من التحديات.
يتم تصنيع الهيدروجين الأخضر عادة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة الفائضة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، لتحليل الماء إلى هيدروجين وأكسجين من خلال التحليل الكهربائي. وهو يختلف عن الهيدروجين الرمادي المشتق من الوقود التقليدي. وبحلول نهاية 2021، كان نحو 1 في المائة فقط من إنتاج الهيدروجين العالمي أخضر. ويعود سبب انخفاض هذا الرقم إلى التكاليف المرتفعة المرتبطة بإنتاجه، مقارنة بإنتاج باقي أنواع الهيدروجين.
والواقع أن ارتفاع التكاليف وتأخر دعم السياسات من قبل الحكومات يحدان من إمكانات الهيدروجين الأخضر. على مدى العامين الماضيين، كانت هناك عدة إعلانات حول إطلاق مشاريع من هذا النوع في العالم، لكن تم تأخير كثير منها بشكل كبير بسبب ارتفاع التكاليف ونقص الدعم الحكومي.
في أعقاب مؤتمرات قمة المناخ الأخيرة، والدفع من قبل عديد من الحكومات في العالم لدعم تحول الطاقة، يستثمر مزيد من الشركات في مشاريع الهيدروجين الأخضر. وتعمل شركات الطاقة على تطوير محطات ضخمة للهيدروجين الأخضر في مناطق مختلفة من العالم، في حين تعمل الحكومات والمنظمات الإقليمية على تطوير ممرات نقل رئيسة له.
في هذا الصدد، وجد تقرير صدر أخيرا عن وكالة الطاقة الدولية أنه إذا تم تنفيذ جميع المشاريع المخطط لها في العالم يمكن أن يصل الإنتاج السنوي من الهيدروجين منخفض الكربون، بما في ذلك المنتج مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون، إلى 38 مليون طن بحلول 2030. مع ذلك، يبدو أن هذا الأمر غير مرجح على نحو متزايد، حيث تم إلى حد الآن اتخاذ قرار استثمار نهائي لـ 4 في المائة فقط من المشاريع. على الرغم من أن تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر يبدو كأنه خطوة جيدة في طريق تحول الطاقة، إلا أنه من المهم للغاية النظر في مكان تصنيعه. يتطلب الإنتاج كميات هائلة من المياه، وهو أمر يسهل توفيره إلى حد ما في مناطق، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، لكن أقل من ذلك في مناطق الجفاف، مثل الشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا. يتطلب الإنتاج في دول، مثل المملكة وتونس، تحلية مياه البحر على نطاق واسع لتوفير المياه لعملية الإنتاج. وبينما تتصدر أوروبا حاليا إنتاج الهيدروجين الأخضر، يأمل عديد من الدول في الشرق الأوسط في التنافس لتصبح رائدة عالميا في إنتاج الهيدروجين النظيف.
بالفعل، تسعى المملكة في إطار سياسة "تحوط الطاقة" إلى ضمان حصة رائدة في سوق الهيدروجين الأخضر، من خلال الاستفادة من الإمكانات الطبيعية التي تتميز بها وتساعدها على إنتاج ذلك الوقود بتكلفة أقل. وفي هذا الجانب، سجل باحث سعودي براءة اختراع عالمية في قطاع إنتاج الهيدروجين النظيف، يسهم في خفض تكلفة الإنتاج بنسبة كبيرة، ما يجعل الإنتاج في المملكة الأعلى كفاءة والأقل تكلفة عالميا. كما يهدف الاختراع إلى تعزيز ريادة المملكة عالميا للقطاع بجدوى اقتصادية كبيرة وتكلفة أقل واستغلال وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة.
تأتي هذه الجهود في الوقت الذي أكد فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في وقت سابق، أن تكون المملكة من أكبر مصدري الهيدروجين النظيف في العالم، ضمن مساعي البلاد للوصول إلى الحياد الصفري في الانبعاثات بحلول 2060. كما يتماشى أيضا مع تأكيدات الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، أن المملكة تسعى إلى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم، فيما ستعمل على إنتاج الكهرباء الأرخص على كوكب الأرض.
حاليا، تحتل المملكة المرتبة الأولى بين الدول المرشحة في الشرق الأوسط لإنتاج الهيدروجين، تليها المغرب، الإمارات، فالجزائر، فمصر، ثم عُمان، ثم قطر، وفق تقرير صدر العام الماضي من الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. في هذا الجانب، تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن دول الخليج العربي تعتزم تصدير مليون طن من الهيدروجين منخفض الانبعاثات بحلول 2030.
من جهة أخرى، تستثمر شركات الطاقة الأوروبية في مشاريع في الدول منخفضة الدخل، مثل تونس، حيث يمكنها إنتاج مصدر الطاقة عالي التكلفة بتكلفة أرخص. وينظر الاتحاد الأوروبي إلى تونس، وهي واحدة من أكثر الدول جفافا في إفريقيا، بوصفها مفتاحا لإنتاج الهيدروجين الأخضر لتصديره إلى أوروبا. من السهل إنتاج الطاقة الشمسية اللازمة للتحليل الكهربائي من أشعة الشمس الوفيرة المتوافرة في البلاد، لكن الحصول على المياه اللازمة لهذه العملية أقل سهولة، حيث يجب على الشركات استخدام وتحلية مياه البحر. لكن، هذه العملية تستهلك كثيرا من الطاقة، وتستهلك كثيرا من المياه.
في الوقت الحاضر، يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على إنتاج الهيدروجين الأخضر في شمال إفريقيا للوفاء بتعهده بخفض 55 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2030. وتقوم الشركات بإنشاء مشاريع في الدول منخفضة الدخل بسبب التكاليف المرتفعة المرتبطة بها. وإلى أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من تقديم إعانات دعم كبيرة للمشاريع الأوروبية، مثل تلك التي ينص عليها قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تكون الشركات على استعداد للاستثمار في مشاريع الهيدروجين المحلية.
ولتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر بشكل فاعل، يجب على الحكومات التي لديها مصادر كبيرة للمياه العذبة وضع سياسات وطنية تعزز تطوير الصناعة، فضلا عن توفير الإعانات والأطر الضريبية المواتية لتشجيع المشاريع الجديدة. سيساعد التوسع السريع للقطاع، وزيادة الاستثمار في التقنيات المبتكرة، على خفض التكاليف المرتفعة المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، لضمان نظافة الإنتاج، وإتاحة مصدر الوقود على نطاق أوسع.