ثقافة الاحتضان

التبني محرم شرعا بسبب حرمة الخلط بين الأنساب، تقابله في الجهة الأخرى مشروعية كفالة اليتيم، بشروط شرعية وقانونية، تكفل لكلا الطرفين الحقوق والواجبات. أما الأسر التي ترغب في أن يعيش الطفل اليتيم بينهم بسبب حرمانهم من الإنجاب، أو بسبب رغبتهم في تنشئة هذا الطفل بين أبنائهم، فإن ذلك ما يطلق عليه "الاحتضان".
من أجمل قصص الاحتضان التي أثرت في قلوب كثيرين، هو ذلك المقطع المتداول لأب مسن يحتضن ابنته المتخرجة، وينظر إليها بفخر واعتزاز وكثير من الحب الممزوج بالحنان الأبوي الدافئ، فيما بعد أجرى عدد من وسائل الإعلام لقاء معه، حكى قصة رؤيته ابنته المحتضنة، لأول مرة، وهي أنه كان يعمل في مستشفى، وكانت مجرد طفلة رضيعة في قسم الأطفال، كلما رأته ضحكت في وجهه، وحين يبتعد عنها كانت تبكي بشدة. تعلق قلبه بها وجاشت مشاعره الأبوية نحوها، ما دفعه لاحتضانها وتربيتها مع أبنائه وبناته ورعايتها حتى كبرت وتخرجت.
ثقافة الاحتضان تحتاج إلى مزيد من الوعي وتسليط الضوء عليها، ونشرها كثقافة مجتمعية تهتم بفئة يحتاجون إلى الاحتواء والحب ووسط عائلي دافئ ينعمون فيه بحنان الأم ورعاية الأب وحب الإخوان. الدولة لم تقصر في الاهتمام بهم، وحفظ حقوقهم كافة، ومتابعتهم، وتسهيل أمور الدراسة والعمل لهم، لكن في النهاية الإنسان كائن اجتماعي يحتاج إلى أن ينمو في وسط عائلي يستمتع فيه بكل تلك الأحداث والمناسبات واللحظات التي ترسخ في الذاكرة.
أذكر تلك الشابة "ريما" المحتضنة التي عاشت حياة جميلة في وسط أسرة احتضنتها بحب واهتمام بسبب حرمان الأبوين من الإنجاب، بعد عشرة أعوام من احتضانها منّ الله تعالى على أبويها بالذرية، حيث أنجبت والدتها أربعة أبناء، ورغم ذلك إلا أن ريما ظلت هي ابنتهما البكر "ووجه السعد عليهما"، وحين أظهرت تفوقا دراسيا دعماها وسخرا لها الظروف كافة، لتحقق حلمها في دراسة الطب في الخارج، وفي يوم تخرجها أهدت أبويها شهادة الطب، قائلة: لم أكن لأقف هنا كطبيبة، لولا فضل الله تعالى، ثم أمي وأبي.. ربما لو لم يجداني لمات الحلم في داخلي. مثل هذه الكلمات تجعل المجتمع أمام مسؤولية عظيمة في ضرورة نشر ثقافة الاحتضان.
وخزة:
لم يتحدث رسولنا الحبيب عن القرب المكاني منه في الجنة، كما تحدث عن كافل اليتيم، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما، بغض النظر عن الارتياح النفسي والبركة وسعة الرزق التي تشعر بها الأسرة المحتضنة، فهذا الحديث بمنزلة الجائزة العظمى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي