المؤثرون
وضح الكاتب آدم هادازي في مقالة له عن "طلاق المشاهير" كيف كانت العقود الماضية تعج بما أسماه بـ"بدع العقود الماضية" كملابس الثمانينيات المصنوعة من السبانديكس، والجنون بفرقة فتيان التسعينيات، لربما كان ذلك منطقيا في أيامهم، ولكن الأجيال اللاحقة لطالما استغربت شيوع ذلك على الإطلاق، ذلك لأن بعض الدراسات الجديدة قد قدمت نماذج أخرى أكثر واقعية لصعود البدع وسقوطها مع تطور الثقافة وانتقالها إلى الأجيال الجديدة، بما في ذلك فحص دور "المؤثرين" في تشكيل ما هو شائع، إلى آخر ما ذكره، هادازي، مشيرا إلى دراسات أخرى، وبعض نتائج الاستبيان التي أجريت وتباينت ما بين المناهضة، والموافقة.
في كل الأحوال ما كان مؤثرا سابقا لم يعد كذلك حاليا فعلى سبيل المثال تجد اليوم خصوصا في منطقتنا العربية إعلانات ومؤثرات من مختلف الأشكال والصور، تدعوك إلى أكل منتج برجر جديد لكن لن تجد دعاية تحاول إقناعك بتجربة وجبة جديدة ليست من الثقافة العربية اسمها برجر، ولن يتكلف أي مؤثر أو صانع محتوى لإقناع أحد ما، لأنه عمل أصبح من الماضي والكل صار يأكل البرجر بل يعده البعض وجبته المفضلة. وتأسيسا على ذلك، فإن للمشاهير سابقا، وحاليا، ومستقبلا وبما نسميهم الآن "المؤثرون" القدح المعلى في "استنساخ الظواهر المتنوعة" التي تقع موقعها في نفوس المتلقين والمعجبين سواء أكان ذلك إيجابيا أو سلبيا.
تبلغ الخطورة مداها حينما يتحول المؤثر إلى شيء مقدس "كل أعماله وأقواله مقبولة" الغث منها والسمين، وهذا له تأثير بالغ الأهمية، حيث إن الكل ليسوا على طريقة وثقافة وخلق واحد أو متفق عليه، لذا فإن التساؤل المشروع هو من المؤثر ـ أصلا؟! إنه سؤال يبدو سهلا بادئ الأمر، لكنه عندي بالغ التعقيد، إذ لا يكون المرء مؤثرا، إلا إذا كان يملك القيم التي يتبناها مجتمعه ويقبلها ويحترمها وهذا مصدر تعقيد آخر، لأن الشبكات الاجتماعية فتحت النافذة للكل من كل المجتمعات المتنوعة ثقافيا وفكريا ومعتقدا، وتمازج الثقافات إيجابي طالما أنه لا يتعارض صراحة مع القيم التي نؤمن بها. لكن ثمة طبقة من المشاهير بدأ يبلغ تأثيرهم مدى أوسع محطما كل الحواجز الجغرافية والثقافية التي تقف أمامه، وهنا يأتي دور التوعية والرقابة التي تحافظ على نسيج المجتمع ممن يسمون بعض المؤثرين خصوصا في الصغار الذين لم يعودوا يعيشون في قرية صغيرة ـ كما كان تعريف العولمة سابقا ـ بل إن العالم كله الآن موجود بين يديهم.