السيناريوهات المستقبلية للذكاء الاصطناعي «4»

توضح البيانات الإحصائية مدى اتساع نطاق الانعكاسات الاقتصادية الكلية للتطورات التكنولوجية غير المسبوقة، وإن كان ينبغي التعامل معها كاحتمالات وليست توقعات دقيقة. وفيما يلي عديد من المحاذير التي يتعين مراعاتها. أولا، يقوم الرسم البياني على نموذج يفترض كفاءة الاقتصاد حيث يتقاضى العمال أجورا تنافسية. وقد تؤدي مجموعة كبيرة من العوامل إلى إبطاء الذكاء العام الاصطناعي حتى إن كان تنفيذه ممكنا من الناحية التكنولوجية، بداية من الهياكل التنظيمية المعيبة، والقواعد التنظيمية، والقيود على تراكم رأس المال ـ مثل الاختناقات في سلاسل إمداد الرقائق ـ وحتى القرارات المجتمعية حول تنفيذ الذكاء العام الاصطناعي. فحتى إن كانت التكنولوجيا تسمح بإحلال العمالة، قد يختار المجتمع الاحتفاظ بالعمالة البشرية في عدد من الوظائف ـ كالقضاة وخبراء التشريع. وستنشأ عن ذلك مجموعة من وظائف "الماضي" التي ستدعم استمرار الطلب على العمالة البشرية إلى الأبد.
في ظل الاختلاف الكبير بين الآراء حيال تقدم الذكاء الاصطناعي في المستقبل، لن يكون من الحكمة تعليق جميع آمالنا على سيناريو واحد وصياغة خططنا الاقتصادية على أساسه.
ولتحديد سيناريو الذكاء الاصطناعي الذي سيكون مستقبلنا أشبه به مع تطور الأحداث، على صناع السياسات مراقبة أهم المؤشرات عبر مجالات متنوعة، مع الأخذ في الحسبان أن جميع الجهود المبذولة للتنبؤ بوتيرة التقدم تواجه كثيرا من عدم اليقين. من المؤشرات المفيدة في هذا الصدد مقاييس الأداء التكنولوجي، وحجم التدفقات الاستثمارية في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، ومستوى استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الاقتصاد، وما ينشأ عن ذلك من اتجاهات على مستوى الاقتصاد الكلي وأسواق العمل. وتعد مؤشرات الأداء التكنولوجي أفضل مقياس مباشر لكفاءة نظم الذكاء الاصطناعي في أداء مجموعة واسعة من مهام العمل. وتوضح مستويات الاستثمار، كالاستثمار في البحوث والتطوير والمهارات ورقائق الحاسب الآلي، حجم الموارد الموجهة إلى تطوير الذكاء الاصطناعي. أما مؤشرات نمو استخدام الذكاء الاصطناعي عبر جميع قطاعات الاقتصاد، فتوضح ما إذا كانت هذه النظم مجدية في الواقع العملي. أخيرا، ستتضح الانعكاسات الاقتصادية الكلية في نهاية المطاف من خلال إحصاءات الإنتاجية واتجاهات أسواق العمل.
من خلال تتبع هذه الإشارات التكميلية، يمكن لصناع السياسات صياغة سياسات ملائمة للاستجابة لمستجدات واقع الذكاء الاصطناعي. ولكن علينا ألا نفقد تواضعنا ـ فالمستقبل سيفاجئنا على الأرجح.
في ظل الفروق الهائلة بين المسارات الاقتصادية الناتجة عن السيناريوهات الثلاثة المشار إليها، تتضح أهمية وضع أطر للسياسات قادرة على التكيف مع التطورات المستقبلية والاستجابة لها سريعا. وعلى صناع السياسات اختبار قدرة المؤسسات الحالية على تحمل الضغوط الناتجة عن كل سيناريو وإصلاحها إذا لزم الأمر لضمان صلابتها. وقد يتضمن ذلك خطوات تدريجية، كإصلاح النظم الضريبية وتوسيع نطاق شبكات السلامة الاجتماعية، أو إطلاق برامج جديدة، كصرف دخول أساسية محدودة يمكن زيادتها عند الضرورة.
ينبغي لصناع السياسات تكليف فرق من الخبراء بالتخطيط المتواصل للسيناريوهات لمساعدتهم على تحديث رؤيتهم باستمرار حول مختلف السيناريوهات والتغير في احتمالية تحققها. في مواجهة عدم اليقين، علينا وضع منهج تكيفي قائم على السيناريوهات لتعظيم منافع التطور المستمر في الذكاء الاصطناعي والتخفيف من أخطاره في البيئة الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي