ركائز حوكمة الذكاء الاصطناعي «2 من 4»
الواقع أن حوكمة الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مشكلة واحدة. فعندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، ربما توجد كثير من المسارات لتحقيق الهدف النهائي المتمثل في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أنه يوجد هدف واحد رئيس. أما الذكاء الاصطناعي فهو مختلف عن ذلك، لأن أي جدول أعمال للسياسات الخاصة به يجب أن يحفز في الوقت نفسه الابتكار لمواجهة التحديات المستعصية على الحل وتجنب الانتشار الخطير، ولا بد أن يساعد على كسب ميزة جغرافية سياسية دون أن يجعل العالم يسير لا شعوريا نحو سباق تسلح جديد.
حول مفارقة قوة الذكاء الاصطناعي فإن طبيعة هذه التكنولوجيا نفسها تشكل تعقيدا إضافيا. فلا يمكن حوكمة الذكاء الاصطناعي مثل أي تكنولوجيا سابقة لأنها لا تشبه أيا منها. فهي لا تفرض تحديات على السياسات وحسب، بل إن سماتها المتفردة تجعل مواجهة هذه التحديات أكثر صعوبة على نحو متزايد. وتلك هي المفارقة في قوة الذكاء الاصطناعي.
وجميع أنواع التكنولوجيا تتطور في البداية، إلا أن الذكاء الاصطناعي فائق التطور. فمعدل تحسن الذكاء الاصطناعي سيفوق كثيرا قانون مور، الذي نجح في التنبؤ بتضاعف قوة أجهزة الكمبيوتر كل عامين. وبدلا من التطور بمقدار الضعف كل عامين، زاد حجم عمليات الحوسبة المستخدمة في تدريب أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي بمعامل مقداره عشرة في كل عام على مدار الأعوام العشرة الماضية. فعمليات المعالجة التي كانت في السابق تستغرق أسابيع، تتم حاليا في ثوان معدودة. وستصبح أنواع التكنولوجيا التأسيسية التي تمكن الذكاء الاصطناعي أصغر حجما وأرخص سعرا وأيضا ستزداد إمكانية الحصول عليها.
إلا أن تفرد الذكاء الاصطناعي لا يتعلق بقدرته الحاسوبية واسعة النطاق وحسب. وقد تنبأ البعض بتطور الذكاء الاصطناعي، من قدرته على تدريب نماذج اللغة الضخمة إلى تمكنه من حل المسائل المعقدة أو حتى تأليف الموسيقى. وقد تصبح هذه الأنظمة قريبا قادرة على العمل بشكل شبه مستقل. ويمكن أن يكون هذا الأمر ثوريا في حد ذاته، ولكنه سيأتي بانعكاسات أكثر تأثيرا هي أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح أول تكنولوجيا لديها الوسائل اللازمة للتطور من تلقاء نفسها.
الذكاء الاصطناعي ينتشر بسهولة. وكما هي الحال مع أي برمجيات، فإن نسخ خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتشاركها "أو سرقتها" أسهل وأرخص بكثير مما يحدث مع الأصول المادية. وزيادة قوة هذه الخوارزميات، ورخص سعر الحوسبة ستعمل هذه النماذج قريبا على الهواتف الذكية. ولم يسبق على الإطلاق أن ظهرت تكنولوجيا بهذه القوة يسهل الحصول عليها على نطاق واسع للغاية وبسرعة كبيرة على هذا النحو. ولأن تكلفتها الحدية فضلا عن التكلفة الحدية لتقديمها هي صفر، فبمجرد إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي، يمكن أن توجد، بل ستوجد بالفعل، في كل مكان. ومعظم هذه النماذج سيكون آمنا، فكثير منها قد خضع لتدريب مسؤول. رغم هذا، وكما هي الحال مع أي فيروس، فكل ما يتطلبه الأمر هو نموذج خبيث أو اختراق واحد لإحداث فوضى.. يتبع.