التحول الكبير في أعمال المصارف
الصناعة المصرفية دائما جديرة بالاهتمام لأنها تقع في التقاطع بين المال والحراك الاقتصادي. منذ فترة عملي في المجال المالي وأنا أتابع تطوراتها الداخلية والخارجية. في هذا الصدد اطلعت على تقرير موسع بعنوان "العمود" صدر من "ماكنزي". التقرير عبارة عن تشخيص للحالة الراهنة من حيث هيكل الصناعة المصرفية في المنتجات والتوزيع الجغرافي، وربحيتها وتقييمها في السوق، والتحديات التي تواجهها، والتغير في البيئة الجديدة من حيث الأخطار والتشريعات والتعامل مع التقنية. مؤثرات في التحول يجعل اختصارها في عمود واحد صعبا، ولكن سأحاول التنويه بأهم ما ورد في التقرير. باختصاره في عدة نقاط كالتالي:
عام 2023 أفضل عام للصناعة منذ 2007، رغم استمرار تضاؤل دور البنوك في الصناعة المالية، فنحو 70 في المائة من الزيادة في حجم الصناعة المالية كان خارج المصارف، حيث كان في صناديق التقاعد وشركات التأمين والصناديق السيادية، والصناديق الاستثمارية الخاصة.
جاء التحسن بسبب ارتفاع الفوائد بنحو 5 في المائة في 2022 ما حقق زيادة 280 مليار دولار في أرباح المصارف الأمريكية على سبيل المثال، وارتفاع في العائد على رأس المال إلى 13 في المائة في 2023 مقارنة بـ9 في المائة للفترة منذ 2010 كمتوسط. كذلك حدث تحسن في العلاقة بين الدخل والتكاليف رغم تعثر بعض البنوك الإقليمية. هناك أيضا تميز في الأداء حسب قطاعات الأعمال التي تركز عليها المصارف.
جاء التوزيع الجغرافي مختلف الأداء، فمثلا كانت أفضل المصارف "51 في المائة" منها فيما سماه التقرير حوض المحيط الهندي ـ يشمل سنغافورة وماليزيا والهند ودول الخليج وشرق إفريقيا"، بينما المصارف في الصين وأمريكا وأوروبا وروسيا تصارع لكي يكون العائد أعلى من تكلفة رأس المال. فأسعار أسهم أغلب المصارف في الغرب أقل من القيمة الدفترية منذ 2008. بل إن الفجوة في التقييم ارتفعت بين القطاع والأعمال الأخرى.
هناك أربعة توجهات كونية ستشكل المؤسسات المالية مستقبلا. الأول، حالة الاقتصاد الكلي بعد انخفاض التضخم واستمرار حالة عدم اليقين حول النمو في الصين والتضخم والعجز في عديد من دول العالم. الثاني، التقدم التقني ما زال مستمرا خاصة مع بداية الذكاء الاصطناعي، فمثلا يتوقع التقرير أن الذكاء يقلص التكاليف التشغيلية بما بين 200 و300 مليار دولار. الثالث، التشريعات التي تزداد مطالبة أدق وأعلى تكلفة فمثلا "باسل 3" ستتطلب كفاية رأسمال أعلى للبنوك المتوسطة. رابعا، الأخطار والتذبذبات المترتبة على التغيرات الجيوسياسية ما يعوق الحراك في الاقتصاد الحقيقي.
التغير الحاد والسريع في نسب الفائدة لا بد أن يؤثر في تحول الصناعة، فبعد أربعة عقود من انخفاض الفائدة تعود كثيرون على نماذج أعمال لم تعد مناسبة لعودة نسب أعلى مصحوبة مع التغيرات الهيكلية كالمنافسة مع مؤسسات مالية أخرى وتغيرات تقنية قادرة على دور حيوي في ظهور نماذج جديدة. في ظل البيئة الجديدة هناك خمس أولويات.
الأولى، الاستغلال الأمثل للتقنية، إذ ستصبح التقنية عامل تميز. الثانية، إصلاح المراكز المالية من عدة جوانب تبدأ من فصل الوظائف في تجميع وفصل وتوزيع محفظة الإقراض. الثالثة، الحجم بسبب دور التقنية سيصبح أكثر أهمية ما يعطي فرصة للتخصص كمحاولة للتميز. الرابعة، دور متزايد لمنصات الخدمة لتقديم المنتجات مباشرة للعملاء حتى لو لم تتوافر لدى المصرف. الخامسة، التكيف مع الأخطار المتجددة من مصادر مختلفة كالاقتصاد الكلي أو الغش الإلكتروني أو تغير التشريعات.