هل جودة الإنتاج من تنوع الطرق؟
من الأمثال التي يتم الاستشهاد بها لوصف وضع من الأوضاع، وخاصة في مجال التعليم، المثل القائل "لكل شيخ طريقته"، وكما يتضح من المعنى الظاهر، فكل معلم له نهجه وأسلوبه الخاص في تدريس طلابه، وتعليمهم الفن الذي يدرسونه، ولعل كلمة شيخ تشير إلى الأسلوب الذي يتبع في الكتاتيب سابقا، إلا أن المثل -في نظري- لا يقتصر انطباقه على ما كان يتم في الكتاتيب؛ بل يمتد إلى الوقت الراهن، حيث ابتكرت طرق جديدة تتناسب مع موضوع المدرس ومع وضع الطلاب وأعمارهم وسرعة وبطء التفكير، ومستوى الدافعية، وهذا ما أسهمت في الوصول إليه نظريات علم النفس ونظريات التربية بشكل عام.
من الطرق في التدريس: التعلم التعاوني، والتعلم بالمشروع، وطريقة حل المشكلات، وطريقة العصف الذهني، والتعلم باللعب، والتعلم بتمثيل الدور، والتعلم بالتحليل، والتعلم بالحفظ، وغيرها من الطرق. وما من شك أن المعلم ربما تستهويه طريقة، ويأخذ بها، وربما أكثر من طريقة حسب قدرته على توظيفها، وكذا حسب تفضيله ومناسبتها الموقف التعليمي.
إذا بدا أن ما سبق يحصر مفهوم الطريقة في مجال التعليم، إلا أنني أرى أن المثل أشمل من حصره في التعليم، وأرى أنه يمتد ليشمل المدارس الفكرية التي يأخذ بها صاحب كل فن من مجالات المعرفة والفنون والصنائع، فعلى سبيل المثال، مدارس التفسير تعددت حسب الآلية المتبعة؛ كالتفسير بالرواية، والتفسير بالدراية، والتفسير بالرواية والدراية، والتفسير بالإشارة، كما يوجد أيضا التفسير الإجمالي، والتفسير التحليلي، والتفسير الموضوعي؛ كالصلاة والزكاة وهكذا.
كما أن المذاهب الفقهية تمثل طرقا ينطبق عليها المثل، فالمذاهب الأربعة ارتبطت بأشخاص، لكل واحد منهم منهجه وطريقته في استنباط الحكم الفقهي في المسائل، لذا نجد التفاوت بين المذاهب: المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي؛ ما يجعل كل مذهب مدرسة تفكير في توظيف النص الوارد في القرآن أو الحديث المروي عن الرسول (ص). وهذا -في ظني- يعطي مساحة واسعة في كيفية أداء العبادات، وفق ما ورد وبما لا يخرج عن الأصول. وهذا ما نلمسه في انتشار المدارس الفقهية في سائر العالم الإسلامي.
في مجال الفلسفة أيضا يمكن القول بانطباق المثل عليها، فمن المدارس: مدارس تفكير، وطرق نظر المدرسة الطبيعية، والمدرسة الفيثاغورية والسوفسطائية والمدرسة الأرسطية والبراجماتية والسقراطية وغيرها، كما تجدر الشارة إلى ظهور مدارس فلسفة إسلامية، وهي: العرفانية والكلامية والإشراقية والمشائية والحكمة العالية.
في مجال الاقتصاد، توجد مدارس فكرية تمثل طرق تفكير في معالجة الشأن الاقتصادي في بنائه من الأساس، وحلول قضاياه ومشكلاته، ومنها: المدرسة الكلاسيكية والرأسمالية والماركسية والطبيعية والكنزية والتجارية، كما ينطبق الأمر على الفن، حيث المدارس: الواقعية والكلاسيكية والرومانسية والوحشية والتكعيبية والتجريبية.
كل المدارس التي سبقت الإشارة إليها، وفي كل المجالات، تمثل أسلوبا مفضلا عند فرد أو جماعة تتشكل له أدبيات وآليات تفكير وآليات إنتاج، ومن ثم منتجات تعكس المبادئ والقواعد التي تمثل المدرسة، لذا يمثل التنوع قوة في المجتمع تزيد إنتاجه وتجوده؛ ليتحقق التنافس، وهذا ما نلمسه في السيارات والملابس والإكسسوارات والأعمال الفنية والادبية؛ بل المنتجات الغذائية ذات العلامات التجارية الشهيرة، إذ يمكن التمييز بينها بالطابع المميز لكل منتج.