عملاق اقتصادي صعد في 10 أعوام

كيف استحوذت الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية التي جرت في إندونيسيا الأربعاء الماضي على اهتمام العالم؟ وهذا ليس مقالا سياسيا حول من فاز ولماذا وغيره. هنا سأركز على محور من أهم المحاور في العالم: إنه الاقتصاد. العالم برمته يراقب صعود إندونسيا وهي تشق طريقها صوب القمة كقوة اقتصادية عالمية يحسب لنهضتها الاقتصادية ألف حساب. من حيث السكان، إندونيسيا أكبر بلد بين الدول الـ54 التي أغلبية السكان فيها مسلمون. يعيش في إندونيسيا 279 مليون إنسان، وهذا يضعها في مصاف رابع دول العالم من حيث السكان.
سأترك التفاصيل الجغرافية جانبا. معلومات مثل هذا متوافرة ومتيسرة على الشبكة العنكبوتية، بيد أن الكثير لا يعرف أو لم يقرأ عن المعجزة الاقتصادية التي ستضع إندونيسيا في مصاف واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم في غضون عامين أو ثلاثة.
والمعجزة الإندونيسية معجزة بكل ما للكلمة من معنى. عمر هذه المعجزة عقد من الزمان. بدأت في 2014. في حينه كانت إندونيسيا عاشر أكبر اقتصاد في العالم، حيث كانت قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي 2.52 تريليون دولار.
المؤشرات تشير إلى أن إندونيسيا تقريبا ستضاعف إنتاجها القومي بحلول 2027 حيث ستبلغ قيمته 4.571 تريليون دولار.
وستكون بهذا قد أزاحت قوى عظمى عن طريق صعودها الاقتصادي الإسطوري مثل بريطانيا وفرنسا، بحجم اقتصاد سيعد السادس في تسلسل الاقتصادات الكبرى في العالم.
  منذ 2015 والاقتصاد الإندونيسي ينمو بنحو 5 %. النسبة هذه أقل مما تعلنه الصين مثلا عن نمو اقتصادها وعلى الخصوص في عز نموها الاقتصادي، إلا أن النمو في إندونيسيا كان متوازنا ومحسوسا على مستوى هذا البلد الشاسع والمترامي الأطراف ولا سيما في المدن الصغيرة والأرياف. تبلغ مساحة الدولة الأرخبيلية هذه 4,700 كيلو متر وتشكلها 17 ألف جزيرة وتتشاطأ البحر الهندي امتدادا إلى المحيط الهادي.
والمعجزة الإندونيسية لها ميزة أخرى، لأن التوقعات تشير إلى أن النمو في المدن الصغيرة والأرياف قد يصل إلى 7 % بحلول 2030، وتكون الدولة العظمى الحديثة هذه قد نقلت البلد بريفه وأريافه ومدنه الصغيرة والكبيرة إلى وضع يكون أحسن حالا من أي دولة أوروبية.
بعد عقد واحد فقط من اتباع نهج اقتصادي سليم لتحقيق نمو مطرد وإذا بالعالم ينهض ويرى معجزة اقتصادية تقع أمام ناظريه تتحول بموجبها إندونيسا إلى دولة ذات نفوذ اقتصادي عالمي.
لماذا الأعين مصوبة تجاه العملاق الصاعد هذا؟ الجواب في البنى التحتية التي جرى تنفيذها في الأعوام العشرة الماضية، التي تؤهل إندونيسيا للتربع في قمة الاقتصادات الأكبر في العالم في نحو عامين من الآن.
في عشرة أعوام، بنت إندونيسيا 16 مطارا، 18 ميناء بحريا، و36 سدا مائيا وأكثر من ألفي كيلومتر من الطرق الرئيسة الحديثة، وأساطيل نقل بحري وآلاف الكيلومترات من السكك الحديثة. وشيدت خطة الأعوام العشرة الماضية كل ما يحتاج إليه البلد للتحول إلى عملاق اقتصادي، من مواصلات وخدمات وتعليم وصحة وسياسات ضريبية  وإجراءات وقوانين لمحاربة الفساد الإداري وتسهيل وتقليص الإجراءات الإدارية. 
وأدت السياسات الاقتصادية الحصيفة إلى نشوء وتوطين الصناعة، ودخلت إندونيسيا عصر الذكاء الرقمي والصناعي من أوسع أبوابه، وها نحن نشهد بروز شركات إندونيسية ذات صيت عالمي، بعضها دخل قائمة أفضل 500 شركة في العالم مثل برتامينا. 
الاقتصاد قوة في عالم اليوم، إنه القوة التي لا تضاهيها قوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي