الفاعلية والكفاءة في الاقتصاد الرقمي
عندما نتحدث عن فاعلية منتج، الذي قد يكون أداة ملموسة أو أسلوب عمل أو الاثنين معا، فإن المعنى المقصود هو توافق خصائص المنتج ومعطياته مع أهدافه، ومع قدراته الوظيفية على تحقيق ما هو متوقع منه على الأقل. وعندما نقول كفاءة المنتج، فإن المعنى المطروح يرتبط بعوائد استخدامه، والاستفادة منه، في مقابل التكاليف التي أنفقت من أجله، بما يشمل الاستثمار فيه ومتطلبات تشغيله. وربما نضيف أمرا آخر هنا، ألا وهو إدارة استخدام هذا المنتج، فهذه الإدارة هي الجهة المسؤولة عن توجيه الاستخدام وتنظيمه، حيث يؤثر ذلك في حجم الاستخدام، وبالتالي في عوائد المنتج. وفي إطار إدارة الاستخدام، هناك البيئة المحيطة التي قد تشجع، أو قد تعوق الاستخدام وتؤثر في عوائده.
يعتمد الاقتصاد الرقمي على المنتجات التي يوفرها العالم السيبراني، وعلى استخدام هذه المنتجات، في إطار الإدارة التي يخضع لها، والبيئة المحيطة بذلك. وتوفر الدول، بالتعاون مع المؤسسات والشركات، بنية الاتصالات، السلكية منها، عبر النحاس والألياف البصرية، واللاسلكية منها، الأرضية والفضائية. وتربط أيضا الاتصالات بالإنترنت، وتقديم خدمات معلوماتية عامة وخاصة يحتاج إليها الإنسان في مختلف الأعمال، وفي شتى مجالات الحياة، لتعطي بذلك بنية العالم السيبراني. وتتاح هذه البنية، بما تقدمه من خدمات، للأفراد والمؤسسات من أجل استخدامها والاستفادة منها، كل في إطار الإدارة والبيئة من حوله. ولكل من هؤلاء بنيته الخاصة للاتصال والاستفادة من الخدمات المتاحة.
تحتاج بنية العالم السيبراني الممكنة للاقتصاد الرقمي، وما يرتبط بها، إلى نفقات تتمثل في الاستثمار في إقامتها، وفي تشغيلها. لكن هذه النفقات ليست كل شيء. فكما يحتاج العالم المادي إلى الأمن كي يستطيع القيام بنشاطاته المختلفة، يحتاج العالم السيبراني المعلوماتي إلى مثل ذلك أيضا. وهنا تبرز الحاجة إلى أدوات وإجراءات لحماية أمن هذا العالم، مع نفقات الاستثمار في إقامتها وفي تشغيلها. وتستهدف هذه الأدوات والإجراءات خصوصية المستخدمين، وسلامة العمل والمعلومات، إضافة إلى إتاحة الخدمات للمستخدمين المصرح لهم دون انقطاع. وتعمل في سبيل ذلك، بالقدر الممكن على منع الاختراقات المعلوماتية، وكشف ما قد يخترق منها هذا المنع، إضافة إلى استعادة الأمن وإزالة أي تأثير سلبي في حالات الاختراق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية حصلت على المركز الثاني دوليا في تحقيق الأمن السيبراني، في آخر تقييم قام به الاتحاد الدولي للاتصالات.
تقدم خدمات بنية العالم السيبراني للاقتصاد الرقمي فاعلية في الأداء الوظيفي للأعمال المعلوماتية. وتتمثل هذه الفاعلية في فوائد يمكن النظر إليها على أنها تحمل توفيرا في النفقات ورفاهية للمستخدمين، بما يشمل المؤسسات والأفراد. ومن أمثلة ذلك ما تقدمه الخدمات الحكومية، والخدمات التجارية، والعمل المعلوماتي عن بعد، كما أشرنا في مقال سابق. ثم هناك فاعلية أخرى تتمثل في فوائد جديدة غير مسبوقة لا يمكن تنفيذها عبر العالم الحقيقي. ومن أمثلة ذلك ما تقدمه بعض أنظمة العمل المعلوماتي الحديثة، كأنظمة "أوبر" و"جاهز" وغيرها. ولعل من المناسب هنا حث مبدعي مثل هذه الأنظمة على إيجاد مزيد منها. ولا شك أن في وسائل الذكاء الاصطناعي المتطورة وسائل يمكن الاستفادة منها في ذلك.
تعطي فاعلية خدمات العالم السيبراني الاقتصاد الرقمي فوائد تتمثل في عوائد للمستخدمين تعزز كفاءته. وتزداد هذه العوائد بالطبع بازدياد مستوى الاستخدام. وكي يكون الاقتصاد الرقمي رابحا يجب أن تتجاوز العوائد النفقات. صحيح أنه في بعض العوائد رفاهية للإنسان، لكن في هذه الرفاهية قيمة أيضا تصب في معطياته. وكي يكون رابحا، لا بد لإدارات المؤسسات والشركات من الحرص على استخدام البنى والخدمات المعلوماتية المتاحة لتحقيق أرباح التوفير والرفاهية والمعطيات المتجددة على أفضل وجه ممكن، بعيدا عن أي عوائق.