مبادرة القدرات البشرية نحو اقتصاد المستقبل

في مقال سابق أشرت إلى أهم القضايا التي شهدت تقلبات واضحة في العقد الماضي، وستبقى معنا ومؤثرة بشكل حاد في المستقبل، وقد أشرت إلى الأعمال التي ستكون مهددة بالذكاء الاصطناعي، وإلى الدور الكبير للعملات المشفرة، ولم يكن مدهشا بالنسبة لي أن تظهر أدلة تؤكد ما ذهب له المقال، ففي مجال الذكاء الاصطناعي صرح وزير التعليم في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية، أن المؤسسات الدولية تشير إلى أن 40 % من الوظائف الحالية على مستوى العالم ستتأثر بالذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس المقبلة، وسيتم التوسع في التحول للتكنولوجيا والأعمال، فيما نحو 75 % من الممارسات التجارية على مستوى العالم، وهذه في التكنولوجيا التوليدية والذكاء الاصطناعي تعتمد على قوة عاملة جاهزة للمستقبل تتمتع بالمهارات المناسبة.

وهذا الحديث واضح الدلالة، ومبادرة مؤتمر القدرات البشرية تفاعل إيجابي مميز في التصدي لفهم هذه الظاهرة الاقتصادية، والتحديات التي نواجه بأسلوب علمي بعيدا عن الارتجال في القرار. لكن يجب لفت الانتباه إلى أن مسألة الذكاء الاصطناعي وتأثيره في أساليب العمل، ليست ذات نمط واحد يمكن رصده بسهولة، وأنها تمثل تكرارات بأنماط عشوائية، ويجب رفع قدرة صناع السياسات والقرار بشأن التفاعل مع هذه العشوائية، فالذكاء الاصطناعي لم يعد يأخذ دور العامل البسيط في الأعمال الروتينية التي لا تتطلب مهارات تفكير معقدة، بل أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي تأخد مكان مديري التشغيل، والمناصب القيادية الاستراتيجية أيضا، فهي التي تصنف وتخطط وتتخذ القرار، فمثلا في منصات التوظيف الجديدة تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي فيها بديلا عن مديري الموارد البشرية، فهي التي تحدد فرص العمل في الأسواق وتوجه العمال نحوها، فلم تعد المسألة مجرد عامل يفتقد المهارة، بل تهديد أهل الاختصاص.

لذلك فإن التعامل مع مستقبل الذكاء الاصطناعي يتطلب أولا تعمل لغة الآلة، فالتفاعل الصحيح مع هذه الآلة والتحاور معها هو الحل الأنسب، فغدا ستكون هذه الآلة هي مديرك المباشر الذي لا تعرف له مكانا ولا شكلا ولا يمكن استعطافه، وهذا يأخذنا جميعا نحو اقتصاد جديد كليا، وهو اقتصاد لغة الآلة، فلقد تجاوز العالم مرحلة اقتصاد رأس المال البشري، واقتصاد المعرفة، وهو الآن في اقتصاد شاسع وهو اقتصاد اللغة، وفي اعتقادي أن المسيطر على هذا الاقتصاد سيكون له الكلمة الفصل.
الأمر الثاني الذي تحققت له دلالات واضحة اليوم هو عودة مارد البيتكوين للنهوض، فقد ارتفع سعر البيتكوين بأكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها منذ بداية العام الحالي بعد تراجعها بنسبة 64 % خلال 2022 بعد سلسلة الفضائح التي ضربت قطاع العملات الرقمية وإفلاس عديد من شركات تداولها، ما أثار الشكوك في جدوى العملات المشفرة، ولا زلت أطالب بأخذ موضوع العملات المشفرة (أو عملة الآلة كما أحب تسميتها) بجدية أكبر، الموضوع خطير للغاية، ولن نستطيع الوقوف أمام هذه الموجه الضخمة، لقد استطاعت البيتكوين أن تنجو من هبوط مدمر للغاية، وهذا منحها عنفوانا ومصداقية لا حدود لها، وستجتاح العالم مرة أخرى، لقد نجت العملات المشفرة من كارثة محققة، وبقيت موجودة، ولو تم قراءة مشهد العملات المشفرة ضمن نموذج اقتصاد الذكاء الاصطناعي، فإننا أمام مشهد مخيف. فإذا استطاعت الآلات النفاذ نحو أسواق العمل والتخطيط لها وتوظيف البشر، فإن هذه الآلات ستصنع اقتصادا مستقلا مع بضعها بعضا وفقا لمنظومة العملات المشفرة، ولك أن تتخيل إذا تم اشتراط سداد مستحقات العمل من أجور ورسوم وفقا لهذه العملات، لذا لا بد من التفكير بإيجابيه في طريقة للتعامل معها فيما لو حدثت تحولات مفاجئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي