شكاوى الاحتيال بالذكاء الاصطناعي هي قمة جبل الجليد
أينما ذهبت التكنولوجيا الجديدة يصاحبها غياب الضمير. فقطار الذكاء الاصطناعي التوليدي وضجيجه يشد إليه المحتالين الذين لا يقتصرون على توظيفه في خططهم ومصائدهم، بل كذلك في الإعلانات التي يروجونها على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. والأشد من ذلك سوءا أن تلك الإعلانات أحيانا تستهدف الأشخاص الأكبر سنا والأضعف ماليا. شهدت لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة، التي تطلع بمراقبة الأنشطة الإعلانية المضللة، قفزة في أعداد الشكاوى خلال العام الماضي من الإعلانات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي أو زعمت استخدامه للإيقاع بالناس في عمليات الاحتيال، وفقا لوثيقة بهذه الشكاوى حصلت عليها "بلومبرغ أوبينيون" بناء على طلب بمقتضى قانون حرية المعلومات.
وكان ثلث هذه الشكاوى على الأقل يتعلق بإعلانات رُصدت على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، التي تواجه الآن نوعا جديدا من التضليل المعادي بين الجهات المعلنة على منصاتها. خلال 12 شهرا انتهت في فبراير 2023، تلقت لجنة التجارة الفيدرالية شكويين فقط تتعلقان بالإعلانات التي ورد فيها استخدام الذكاء الاصطناعي، لكن هذا الرقم ارتفع إلى 14 شكوى خلال العام المنتهي في فبراير 2024، الذي تزامن مع طفرة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تستخدمها الشركات في صياغة نصوص تشبه النصوص التي تصاغ من قبل البشر، وتوليد صور تشبه الصور الحقيقية إضافة إلى التزييف العميق.
موقع مزيف لشركة "تسلا"
قد لا تشير هذه الأرقام إلى مشكلة شائعة وخطيرة للوهلة الأولى، غير أنها مع ذلك تشير على الأرجح إلى عدد أكبر من المشكلات التي يتعرض لها الناس، وإلى أن تلك الشكاوى ربما لا تعدو قمة جبل جليدي، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار تشجيع معظم المستخدمين النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تقديم شكواهم أولا للمنصات نفسها مثل "فيسبوك" أو "يوتيوب"، وليس لأعلى هيئة تنظيمية للإعلان على شبكة الإنترنت في أمريكا. (جميع الشكاوى التي وردت في هذا المقال قدمت مباشرة إلى لجنة التجارة الفيدرالية).
على سبيل المثال، قال شخص في العقد الرابع من العمر من مدينة لوس أنجلوس للجنة التجارة الفيدرالية "إنه استدرج إلى تحويل سبعة آلاف دولار إلى موقع إلكتروني زائف لشركة تسلا، بعد مشاهدة مقطع مصور معد بتقنية التزييف العميق لشخصية بملامح إيلون ماسك. في ذلك الفيديو، قال ماسك المزيف إن تسلا ستضاعف أموالك خلال فترة قصيرة من خلال العمل مع شركة تشفير أخرى". غير أن صاحب الشكوى لم يسترد نقوده أبدا، وأوضح أنه خسر المبلغ الذي ادخره طوال حياته، إذ قال في شكواه: "كان ذلك المبلغ كل ما أملك". شخص آخر من فلوريدا قال "إنه ظل يشاهد إعلانات معدة بتقنية التزييف العميق على منصة يوتيوب، تظهر شخصية براد غارلينغهاوس، الرئيس التنفيذي لشركة ريبل Ripple للمدفوعات التي تقوم على نظام سلاسل الكتل (بلوكتشين)، وكانت هذه الإعلانات تغري المشاهد بمضاعفة أمواله"، بحسب ما جاء في الشكوى. وأضاف هذا الشخص قائلا: "إن يوتيوب تتجاهل مخاوفنا تجاهلا تاما، فلا تزال تلك الإعلانات تعرض على المنصة".
"ألفابت": نعلم بوجود التزييف العميق
في رسالة بالبريد الإلكتروني، قال متحدث عن شركة "ألفابت" المالكة لموقع "يوتيوب": "نحن على دراية بأن اتجاها بدأ يظهر لنشر إعلانات مفبركة بأسلوب التزييف العميق تدعي دعما زائفا من شخصيات شهيرة أو علاقة بها. ونعلم أيضا أن هذه الإعلانات قد تستخدم في الاحتيال على المستخدمين، ولذلك نضخ استثمارات كثيفة في آليات الرصد والتدخل ضد تلك الإعلانات المزيفة بتقنية التزييف العميق والأطراف التي تقف وراءها". وقالت الشركة في يناير الماضي "إنها تعلم بوجود إعلانات تستخدم التزييف العميق لشخصيات شهيرة مثل ماسك للترويج لعمليات النصب"، وأزالت ألف مقطع مصور يروج لها، بحسب تقرير نشر على موقع 404 ميديا (404 Media).
تكشف أحدث الشكاوى عن أن المحتالين يستخدمون كلمة الذكاء الاصطناعي كنوع من الطعم، تماما مثلما تتحمس الشركات حماسا شديدا لذكره في خدماتها أو منتجاتها. كذلك، يشير كثير من شكاوى العام الماضي التي قدمت للجنة التجارة الفيدرالية إلى إعلانات على منصة "فيسبوك". فعلى سبيل المثال، اطلع شخص في إنجلترا على صفحة على "فيسبوك" لشركة تزعم استضافتها منصة تداول تعمل بالذكاء الاصطناعي. وما أن قام ذلك الشخص بفتح حساب على المنصة حتى أودع مبلغا ماليا بقيمة 200 دولار، وحصل على موعد مع مستشار مالي. وذكرت الشكوى: "في ذلك الموعد سيرشدني المستشار المالي بمعلومات أكثر عن التداول باستخدام الذكاء الاصطناعي".
وانتهى الأمر بأن طلب منه ذلك "المستشار" دفع رسوم باهظة لا يستطيع تحملها، ليتمكن من سحب المبلغ الذي أودعه.
الاحتيال عبر "إنستجرام" و"ريلز"
أبلغ شخص آخر في الفلبين عن إعلان مصور في مقاطع الفيديو القصيرة على "ريلز" Reels – نسخة "فيسبوك" من تطبيق "تيك توك" – الذي يدعي فيه مجموعة من المحتالين أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي لمساعدة الناس على كسب ما يصل إلى 1500 دولار يوميا في وظيفة بدوام جزئي. وعلى منصة مختلفة أخرى من منصات "فيسبوك"، هي "إنستجرام"، قال شخص من أستراليا "إنه شاهد إعلانا عن منصة للتداول باستخدام الذكاء الاصطناعي طورها ماسك، تستطيع أن تساعد الأشخاص العاديين على كسب آلاف الدولارات من خلال تداول الرموز المشفرة".
وبعد استثمار 250 دولارا، وجد ذلك الشخص نفسه عاجزا عن سحب أي نسبة من أمواله. وقال مقدم الشكوى: "ظلوا يرددون جملة: يجب الحصول على موافقة الإدارة المالية. وكان ذلك آخر ما سمعته منهم". وقالت متحدثة باسم شركة "ميتا بلاتفومز"، المالكة لـ"فيسبوك"، "إن الشركة تعمل في تعاون وثيق مع جهات إنفاذ القانون لدعم التحقيقات وردع المحتالين وإبعادهم عن منصاتنا"، وإن تطبيقاتها المختلفة تحتوي على "أنظمة لمواجهة عمليات الاحتيال ومنعها".
الاحتيال بالذكاء الاصطناعي فريد من نوعه
يستخدم المحتالون الذكاء الاصطناعي أيضا بطرق أخرى. في شكوى من إحدى المحاربات القدامى في ولاية جورجيا الأمريكية، قالت "إنها زارت موقعا للمواعدة لكبار السن، لكنها اكتشفت أن كثيرا ممن كانت تشاركهم الحديث شخصيات آلية أو روبوتات".
منذ سنوات، اقتحمت الروبوتات تطبيقات ومواقع المواعدة وانتشرت فيها، غير أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ساعدها في الآونة الأخيرة على أن تبدو أشد مهارة بكثير. وفي بعض المواقع، تشجع بعض المستخدمين على إنفاق المال على شراء هدايا افتراضية لمستخدمين آخرين على المنصة، أو للحصول على أرصدة إضافية للدردشة. وتقول المحاربة القديمة في شكواها: "لقد كنت غبية لأنني صدقت ذلك". أمضت شركات التواصل الاجتماعي أعواما في التصدي لمن يستغلون منصاتها، بمن فيهم أولئك الذين يحاولون نشر الدعاية ونظريات المؤامرة. لكن هذا النوع الجديد من الأطراف السيئة يمثل تحديا فريدا. فأدوات الذكاء الاصطناعي تمكن المحتالين من شن حملات كبيرة، ما يعني أن مجرد حجم المحتوى فيها قادر على إرباك وسائل الرصد. تتحمل المنصات مسؤولية كبيرة، وتواجه تحديات صعبة. وفي الوقت نفسه، ينبغي للشركات والمستهلكين على حد سواء أن يتذكروا القول المأثور عندما يواجهون تقنية مستحدثة: "إذا بدا أمر ما أروع من أن يكون حقيقيا، فالأرجح أنه ليس حقيقيا فعلا". خاص بـ "بلومبرغ"