خافيير بلاس: على أمريكا تنفيذ عقوباتها على نفط إيران لا زيادتها
إذا كنت تصدق حكومة الصين، فإن هذا البلد الآسيوي لا يستورد نفطا من إيران، ولا يشتري منها برميلا واحدا. بل تشتري بكين كمية كبيرة من الخام الماليزي بدلا من نفط إيران. بيد أن أرقام الجمارك الرسمية في الصين تكشف أنها تشتري كمية من النفط الماليزي، تتجاوز تقريبا ضعف ما تنتجه ماليزيا فعلا من الخام!
هل ترى ذلك مستحيلا؟ نعم، طبعا هو مستحيل. وحقيقة الأمر أن الصين تدون كل برميل تستورده من الخام الإيراني على أنه نفط ماليزي – هكذا ببساطة شديدة، وهي أسهل طريقة لتحدي عقوبات الولايات المتحدة، وأقلها تكلفة وفقا لتجار النفط.
والموضوع لا يتعلق هنا بكمية صغيرة أو مسألة بسيطة، فقد جاءت ماليزيا في الترتيب الرابع بين أكبر الدول التي صدرت نفطا إلى الصين العام الماضي، بعد السعودية وروسيا والعراق.
المشرعون في الولايات المتحدة، الذين أصابهم الإحباط من سلبية البيت الأبيض، يحاولون إجبار الرئيس جو بايدن على اتخاذ إجراء عملي، فقام مجلس النواب الأمريكي يوم السبت الماضي بتمرير قانون "وقف استقبال البترول الإيراني" المعروف باسم "SHIP"، وهو القانون الذي ينتظر أن يصدق عليه مجلس الشيوخ قريبا يوم الثلاثاء في أول جلسة للتصويت. وقد أعلن البيت الأبيض أنه لن يعترض على مشروع القانون لأنه يرتبط بحزمتين من المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل تأخر إقرارهما زمنا طويلا.
التغاضي عن تنفيذ العقوبات
الحقيقة أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى فرض عقوبات جديدة على نفط إيران، بل تحتاج إلى تنفيذ العقوبات التي أقرتها فعلا. فعلى مدى سنوات عديدة مضت، تغاضى البيت الأبيض عن الزيادة الكبيرة في مشتريات الصين من النفط الإيراني، وسط قلق بايدن على ما يبدو إزاء ارتفاع أسعار النفط أكثر من زيادة إنتاج إيران من الخام، أو أن شبكة التشويش الإيرانية الصينية استطاعت أن تتفوق بذكائها على المسؤولين في الولايات المتحدة.
ولست أدري أيهما أسوأ من الآخر، غير أن النتيجة واحدة، هي ارتفاع إنتاج إيران من النفط الشهر الماضي إلى أعلى مستوى في ستة أعوام مسجلا 3.3 مليون برميل يوميا، وقد ارتفع بنسبة 75 % عن أدنى مستوى بلغه، عندما وصل إلى 1.9 مليون برميل يوميا أثناء فترة "الضغوط القصوى" من خلال العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في أواخر 2020.
تباع هذه الكمية الإضافية بما يتجاوز 100 مليون دولار يوميا عند مستوى الأسعار الحالي، أو نحو 3 مليارات دولار شهريا، حتى بعد الخصم الذي تضطر إيران إلى تقديمه للمشترين. لم تشهد طهران فترة أفضل من هذه الفترة من حيث غزارة الإيرادات النفطية، وهي في حاجة ماسة إلى السيولة النقدية بعد شهور من احتجاجات الشوارع في 2022 و2023، ومن أجل دعم الجماعات التي تؤيدها في سوريا والعراق واليمن ولبنان والأراضي الفلسطينية.
ثغرات في القانون الجديد
وبقدر ما يعتري النظام الحالي من ثغرات، يحتوي التشريع الجديد على كثير منها. فأولا، لن يبدأ تطبيق نصوصه قبل 180 يوما من توقيع بايدن عليه ليصبح قانونا. فإذا حدث إقراره والتصديق عليه مع بداية الشهر القادم، يكون أقرب وقت لتطبيق أولى العقوبات قبل أسبوع واحد من الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة.
وثانيا، يدعو التشريع إلى فرض عقوبات على تلك الموانئ والمصافي النفطية "المعروف" تعاملها في النفط الإيراني. غير أن ذلك يسمح بادعاء البراءة إذا استطاعت أي جهة ترتيب أوراق تزعم أن منشأ النفط دولة أخرى:
"... لا ينبغي اعتبار أن جهة أجنبية تعلم أن منشأ البترول أو المنتجات البترولية هو إيران إذا اعتمدت هذه الجهة على شهادة منشأ أو وثائق أخرى تثبت أن منشأ البترول أو المنتجات البترولية هو دولة أخرى غير إيران، إلا إذا كانت هذه الجهة تعرف أن تلك الوثائق مزيفة أو توفرت لها الأسباب إلى معرفة أنها مزيفة...".
فكما يوضح محلل قطاع النفط المستقل تيم شنيدر، أصبحت إيران ماهرة في نقل النفط من سفينة إلى أخرى، مستخدمة في ذلك سفنا تحمل أعلاما متعددة "ما يسهل على أطراف هذه العملية الادعاء بأنهم لم يشتروا نفطا إيرانيا وهم على علم بذلك".
زيادة إنتاج النفط في إيران
في العام الماضي، كانت إيران ثاني أكبر مصدر للنمو التدريجي في إنتاج النفط على مستوى العالم، لا تتقدم عليها سوى صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. ومنذ بداية العالم الحالي، يواصل إنتاج النفط ارتفاعه ببطء مع توقع بلوغه ذروة أخرى خلال شهر أبريل الجاري خلال تبادل إطلاق الصواريخ بين إسرائيل وإيران. وعلى الأرجح، لن تتغير هذه الصورة بالنسبة للنفط الإيراني بسبب التشريع الأمريكي الجديد، غير أن تأثير ذلك التشريع قد يبدأ في عام 2025.
سيشترط القانون على الحكومة الأمريكية نشر تقرير غير سري في غضون ستة أشهر يوضح تفصيلا طبيعة صادرات النفط الإيراني الحقيقية، وكيف تصنف إيران خاماتها وكيف تقوم بتهريبها.
ويحتمل أن يثبت ذلك التقرير الذي سيصدر عن إدارة معلومات الطاقة بالولايات المتحدة ما يعرفه فعلا جميع من يعملون في هذا القطاع: وهو أن إنتاج إيران في ارتفاع مستمر، وأن معظم نفطها ينتهي به المطاف في الصين.
غير أن تقريرا بحثيا تصدره جهة استشارية في القطاع أو حتى عمود رأي يكتبه صحفي ما شيء، وتوصل إدارة معلومات الطاقة إلى نفس النتيجة شيء آخر، فسيتعين على من يصل إلى البيت الأبيض في عام 2025 أن يرد على ذلك.
سيلزم القانون أيضا وزارة الخارجية الأمريكية بوضع "استراتيجية لمواجهة الدور" الذي تلعبه الصين في "التهرب" من العقوبات الأمريكية، مع التركيز على عدد السفن المتورطة في تهريب النفط بين إيران والصين، وأي "تدخل" من بكين يمنع الولايات المتحدة من تطبيق الحظر.
هذا التشريع خطوة في الاتجاه الصحيح. لكنه يأتي متأخرا جدا، مع كثير من المحاذير، ويترك الكثير من حرية الحركة للبيت الأبيض. وحتى انتخابات نوفمبر، سيظل متاحا أمام طهران تصدير أكبر قدر ممكن من النفط. وبعد ذلك، سنرى.
خاص بـ "بلومبرغ "