أسهم الاتصالات .. من تقليدية إلى عصرية

هل ستحافظ أسهم الاتصالات على صعودها القوي؟ رغم أن قطاع التكنولوجيا هو القطاع الأعلى أداء لعام 2024 -وهو أمر لم يدهش الكثيرين نظرا للضجة الكبيرة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي- فإن قطاع خدمات الاتصالات يليه مباشرة. ولكن ما هذا القطاع بالضبط؟ وهل يمكنه الحفاظ على صعوده؟ الإجابة هي نعم... ولا. إن المزيج الذي يجمع بين شركات الاتصالات التقليدية وشركات التكنولوجيا سريعة النمو، يروي قصة قطاعات مختلفة. سأوضح ذلك.
يعد قطاع "خدمات الاتصالات" حديث نسبيًّا. حيث كان يعرف باسم قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية ويضم شركات ذات طبيعة دفاعية، وتقليدية تخضع لتنظيمات صارمة، وبطيئة النمو، مثل شركة الاتصالات السعودية أو شركة اتحاد اتصالات. وتتميز هذه الشركات بإيرادات ثابتة وتوزيعات أرباح كبيرة وتعد منخفضة التقلبات، ما يجعلها بعيدة عن التقلب الاقتصادي.
لذلك، فهي تتصدر السوق خلال فترات الركود الاقتصادي العام. ضع في حسبانك: شهد مؤشر إم إس سي آي العالمي لجميع الدول، 11 انخفاضا تجاوز 10- % خلال الـ20 عاما الماضية. وتغلبت شركات الاتصالات ضمن مؤشر إم إس سي آي العالمي لجميع الدول على جميع الانخفاضات! ولكن الأسهم ذات الطبيعة الدفاعية الجيدة (الأسهم غير الدورية) هي أسهم هجومية سيئة (الأسهم الدورية) بالوقت نفسه. حيث أخفقت هذه الشركات في تحقيق أداء مماثل للأسواق العامة في جميع فترات الارتفاع باستثناء اثنتين، إذ بلغ متوسط الفارق بين أدائها وأداء تلك الأسواق 19.9 نقطة مئوية.
كما دمجت شركات المؤشرات ستاندرد آند بورز وإم إس سي آي، عديدا من شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة مع شركات الاتصالات ذات الطبيعة الدفاعية في 2018، ما أدى إلى إنشاء "خدمات الاتصالات". وهذا غير كل شيء. إذ حلت محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية محل خطوط الهاتف المملة. ما أدى إلى نمو هائل لشركات التكنولوجيا! صحيح أن قطاع الاتصالات القديمة لا يزال ضمن القطاع، إلا أنه لا يشكل سوى 18.2 % من قيمة سوقه.
ويهيمن الإعلام والخدمات التفاعلية على هذا القطاع، إذ يشكلان 61.7 %من إجمالي القطاع. وتشكل الشركات الأمريكية 88 % من هذا القطاع، بينما الشركات الصينية 10 % منه، ولا توجد أي شركات سعودية. لا شك أنكم تعلمون أسماء الشركات الكبيرة في هذا المجال. ميتا، والشركة الأم لشركة جوجل، ألفابت. ويشمل ذلك أيضا التوظيف عبر الإنترنت، وبيع السيارات، والمزيد. كما أن هذه الفئات الجديدة تتيح الدخول إلى السوق بتكاليف أقل بكثير مقارنة بالشركات الاتصالات، التي تعتمد على الأسلاك والأبراج المكلفة.
كما يضم قطاع خدمات الاتصالات قطاع الترفيه أيضا، الذي يشكل 14.1 % من قيمة السوق ويحتضن شركات البث الكبيرة وشركات الألعاب. التي تشبه شركات التكنولوجيا أيضا! أما النسبة المتبقية 6.0 % فهي للإعلام، بما في ذلك موفرو الأسلاك والشبكات التلفزيونية والمعلنون.
وعليه، فإن مساحات كبيرة من هذا القطاع المتنوع تعمل بطريقة مشابهة لشركات التكنولوجيا: توزيعات أرباح قليلة، وهامش ربح تشغيلي إجمالي كبير، وإعادة استثمار كبيرة في الابتكار، ومنتجات وخدمات رائجة، وتحقيق نمو سريع.
تسهم هذه الطرق في تعزيز العوائد خلال فترات الانتعاش، بما في ذلك الانتعاش في 2024. ضع في حسبانك: حقق قطاع الإعلام والخدمات التفاعلية نموا عالميا بـ29.0 % هذا العام بالريال السعودي، ما أسهم في تحقيق قطاع خدمات الاتصالات عائدا إجماليا بـ18.8 % يعد هذا الأداء لقطاع الإعلام والخدمات التفاعلية متقاربا مع أداء قطاع التكنولوجيا الذي حقق 20.6 % لكنه يتفوق بكثير على النمو الإجمالي للأسهم العالمية البالغ 10.1 % كما حقق قطاع الترفيه نموا بـ13.9 %، ولكن شركات الاتصالات اللاسلكية القديمة والاتصالات المتنوعة تخلفت بنسبة 7.2 % و1.5 %على التوالي.
ويوازي هذا الاختلاف إلى حد كبير الأداء في جميع أنحاء هذه السوق الصاعدة. وارتفع قطاع خدمات الاتصالات 69.2 % عالميا، منذ أدنى مستوياته في 2022، متفوقا على الأسهم العالمية البالغة 48.1 % ومن داخل هذا القطاع، يتصدر الإعلام والخدمات التفاعلية والترفيهية الشبيهة بالتكنولوجيا. وتتخلف بقية القطاعات.
فماذا الآن؟ توقع المزيد من قوة شركات الاتصالات الكبيرة التي تشبه شركات التكنولوجيا. حيث من المرجح أن تستمر في الازدهار لأن الشركات تحول نحو الأسهم الدورية بعد عامين من خفض التكاليف عادة. حيث تسمح لهم هوامش الربح التشغيلي الإجمالي الكبيرة بتمويل النمو الذاتي مع ارتفاع معنويات المستثمرين. ومن المنتظر أن تستعيد سوق الإعلانات نشاطها أيضا، الذي تعتمد عليه عديد من هذه الشركات.
للاستفادة القصوى من الفرص، عليك الاستثمار على نطاق عالمي. نعم، تتضمن تداول قطاع خدمات الاتصالات، لكن بنسبة تصل إلى 6 % القيمة السوقية. إلا أن هيمنتها تقتصر على أسهم الاتصالات السلكية واللاسلكية والإعلام ذات الطبيعة الدفاعية، ولم يقدم مشهد الشركات الناشئة المزدهر في السعودية كثيرا من الأسهم المدرجة المشابهة لأسهم التكنولوجيا في هذا المجال بعد. ركز على الاستثمار في الشركات الأمريكية الكبيرة في الوقت الحالي، فهي تقدم أفضل فرص استثمارية. ثم راقب كيف ستقود هذه السوق الصاعدة إلى آفاق جديدة في 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي