تايلر كاون: فكرة تكوين احتياطي فيدرالي لـ "بيتكوين" تروق لترمب

فكرة إنشاء صندوق حكومي يستثمر في العملات المشفرة قد تبدو سخيفة، لكن هناك أسباباً تدفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى التفكير في إضافة "بيتكوين" إلى محفظتها

الأصول المالية التي ينبغي لبنك مركزي شراؤها وبيعها ليست أمراً جديداً. تاريخياً، ركز مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سندات الخزانة قصيرة الأجل، لكن التيسير الكمي جعله يشتري أوراق الرهن العقاري والأوراق التجارية عالية الجودة (أدوات الدين التي تصدرها الشركات) بكميات كبيرة. وبشكل عام، غالباً ما تحتفظ البنوك المركزية بالذهب والعملات الأجنبية.
وفي إطار منفصل، تحتفظ حكومة الولايات المتحدة باحتياطيات من بعض السلع الأساسية الحيوية، مثل احتياطي البترول الإستراتيجي. تحتفظ وزارة الخزانة أيضاً باحتياطيات من العملات الأجنبية وحقوق السحب الخاصة، يذهب عديد من الحكومات الأجنبية إلى أبعد من ذلك، ولديها صناديق ثروة سيادية واسعة النطاق تشمل الأسهم والموارد الطبيعية (تملك كندا احتياطياً إستراتيجياً خاصاً بها، لشراب القيقب) وأصولاً أخرى.
أما بخصوص"بيتكوين"، فقد قدمت عضو مجلس الشيوخ سينثيا لوميس من ولاية وايومنغ مشروع قانون لإلزام وزارة الخزانة بإنشاء مخزون بقيمة 67 مليار دولار (بالقيمة الحالية) من العملة المشفرة، ويدعم المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب هذه الفكرة، قائلاً إنها ستكون "أصلاً وطنياً دائماً يعود بالنفع على جميع الأمريكيين". قد لا يكون مشروع القانون تشريعاً جاداً -فمن غير المرجح إقراره- لكنه يثير تساؤلاً خطيراً: في أي ظروف يمكن تبرير عمليات الشراء الحكومية للعملة المشفرة؟
المسألة ليست افتراضية. لدى صندوق التقاعد في جيرسي سيتي خطط للاستثمار في "بيتكوين"، مثلما هي الحال بالفعل في ولاية ويسكونسن. وقد تكون هذه الخطط، وتسييس "بيتكوين" في سياقات أخرى، استرضاءً لحاملي العملات المشفرة، ويمكن أن يعرض أموال دافعي الضرائب لمخاطر غير مقبولة. ومع ذلك، إذا كانت كيانات خاصة مرموقة تستثمر في "بيتكوين"، كما هي الحال مع صناديق الاستثمار المتداولة الحالية، فمن غير المرجح أن يستمر "فصل الدولة عن بيتكوين" إلى الأبد.

انتشار "بيتكوين" عالمياً

لنتأمل هنا حالة الأرجنتين التي تجسد نموذجاً لمشتريات الحكومة من "بيتكوين"، حيث أدى التضخم المفرط فيها في الماضي إلى جعل الدولار و"بيتكوين" شائعين للغاية. تتراجع معدلات التضخم في عهد الرئيس خافيير مايلي، لكن مستقبل العملة في الأرجنتين ربما يضم العملتين. بل إن مايلي اقترح ذلك في الآونة الأخيرة.
تجسد السلفادور نموذجاً آخر على ذلك. فالدولار فيها متداول في جميع التعاملات، وقد اتخذ الرئيس نجيب بوكيله خطوات لتشجيع استخدام العملات المشفرة والاستثمار فيها. وحتى الآن لم تنطلق ثورة العملات المشفرة التي يعتزم إحداثها، لكن الدولة تقدم شروطاً مواتية للغاية لمستخدمي العملات المشفرة والمستثمرين فيها. وإذا زادت أهمية العملات المشفرة، فقد يُحدث بعض هذا النشاط المالي في السلفادور، ولو لأسباب تنظيمية فقط.
باختصار، قد يكون هناك عدد من الحكومات التي تستخدم الدولار والعملات المشفرة كجزء مهم من قاعدتها النقدية الطبيعية، إلى جانب العملة المحلية (إذا كانت لا تزال موجودة). والواقع أنه كلما زادت فروق الدولرة، ارتفع الطلب على العملات المشفرة و"بيتكوين."
الواقع أن عديدا من البلدان تدرك المزايا المترتبة على استخدام الدولار، لكنها قد ترى أيضاً في العملات المشفرة أداة مفيدة تضعف قدرة الحكومة الأمريكية على فرض العقوبات المالية. وقد تكون النتيجة النهائية مزيدا من الدولرة، لكن مع استخدام العملات المشفرة كنظام مالي احتياطي مكمل. كما قد تمنح العملات المشفرة تلك البلدان إمدادات نقدية أكثر مرونة، في حال وجدت أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي متشددة للغاية بالنسبة إلى اقتصادها.
ولنعد إلى المخاوف الأمريكية المحلية: فإذا كانت العملات المشفرة والدولار مكملين لأحدهما الآخر على المستوى الدولي، فقد ترغب الحكومة الأمريكية في تشجيع العملات المشفرة كوسيلة لتوسيع نطاق الدولار. وسيصبح الدولار حقاً أكثر رسوخاً باعتباره عملة الاحتياط العالمية، وهو ما من شأنه أن يعزز مستويات الاستهلاك الأمريكي المحتملة.

تسييس العملات المشفرة

استكمالاً لهذا النهج في التفكير، يجدر بنا أن نسأل ماذا بوسع الولايات المتحدة أن تفعل لتشجيع استخدام العملات المشفرة؟ فإذا اشترى "الاحتياطي الفيدرالي" أو وزارة الخزانة كمية متواضعة من "بيتكوين" واحتفظا بها، مثلما قد يفعلان مع عملات أجنبية أدنى مستوى، فإن هذا من شأنه أن يساعد في إضفاء الشرعية على الأصول في نظر الأسواق المالية العالمية. وقد يكون التأثير الأطول أمداً هو تعزيز الطلب على الدولار أيضاً.
حتى في هذا السيناريو، فإن الحجة لمصلحة عمليات شراء الحكومة للعملات المشفرة ليست قاطعة. فأحد التحذيرات هو أن الحكومة قد تشتري كثيرا من العملات المشفرة بحيث تصبح قوة رئيسة في تحديد سعرها. من الممكن أن يدفع الناخبون الذين يحملون العملات المشفرة الحكومة إلى تعزيز قيم محافظهم أو الحفاظ عليها، تماماً مثلما يدعم أصحاب المساكن غالباً لوائح تقسيم المناطق أو خصم الرهن العقاري. من الممكن أن تصبح أسواق العملات المشفرة مسيسة.
ثمة قلق أيضاً من أن يجعل تبني الحكومة الشديد مبتكري العملات المشفرة مترددين ومحافظين للغاية. فليس من الجيد دائماً للابتكار أن تكون الحكومة عميلاً رئيساً. وهذا سبب قد يجعلنا نأمل أن يكون أي استثمار من جانب القطاع العام في "بيتكوين" متواضعاً.
لكن بغض النظر عن أي شيء، فإن الفصل بين الحكومة والعملات المشفرة سينتهي في نهاية المطاف. واقتراحي الوحيد هو إجراء أي تغيير ببطء وباعتدال، وبعيداً قدر الإمكان عن السياسة.

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي