أجيال أوروبا والحوكمة التقدمية

أبرزت الحملة التي تخوضها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لشغل منصبها لفترة ثانية وعدا بتعيين مفوض جديد "تشمل مسؤولياته ضمان العدالة بين الأجيال". يبرز إعلانها وعيا متناميا بالحاجة إلى النظر في التأثيرات طويلة الأجل المترتبة على سياسات الاتحاد الأوروبي، خاصة في أعقاب دورة سياسية ركزت إلى حد كبير على الأزمات القائمة في الأمد القريب. وربما على النقيض من المتوقع بديهيا، من الممكن أن يساعد تبني نهج متطلع إلى المستقبل صناع السياسات على معالجة التحديات الحالية بقدر أكبر من الفعالية.

لكن في حين يمثل قرار فون دير لاين التاريخي الذي جاء نتيجة للدعوة المستمرة من قبل منظمات غير حكومية عديدة، بما في ذلك مبادرة أجيال المستقبل تطورا كبيرا في الحكم الأوروبي، فإن الطريق لا يزال طويلا.

في المقام الأول من الأهمية، يجب أن يكون المفوض الجديد للعدالة بين الأجيال مجهزا بالأدوات المناسبة وتفويض واضح. من خلال التعاون الوثيق مع مفوضين آخرين، يصبح بوسع مفوض العدالة بين الأجيال أن يفرض تأثيرا كبيرا في جميع تشريعات الاتحاد الأوروبي. لكن تحقيق تغيير تحويلي يتطلب أيضا تغييرا عميقا في العقلية. فلتعزيز نهج شامل في صنع القرار، يتطلب الأمر إدراج اعتبارات طويلة الأجل في الخطاب اليومي. وبناء الثقة بين المواطنين أمر بالغ الأهمية لضمان نجاح هذا الجهد.

الواقع أن مبادئ أساسية عديدة من الممكن أن تساعد على تشكيل دور المفوض الجديد وتشجيع سياسات تقدمية الفكر. بادئ ذي بدء، يجب تحديد حقوق الأجيال المقبلة وضمان إنفاذها قانونيا. من اللافت للنظر أن مفاهيم مثل "التضامن بين الأجيال" و"التنمية المستدامة" منصوص عليها بالفعل في المادة الثالثة من معاهدة الاتحاد الأوروبي وتنعكس في مبدأ الحيطة الذي يستند إليه قانون الاتحاد الأوروبي.

يجب أن يصبح بعد النظر عنصرا أساسيا في صنع التشريعات في الاتحاد الأوروبي. وينبغي لأي اقتراح جديد أن يخضع لتقييم أثره بكل دقة لضمان توافقه مع الأولويات بعيدة الأمد، وقدرته على تحقيق أهدافه المعلنة، ومعالجة القضايا التي يستهدف حلها بفعالية، استنادا إلى أحدث المعارف والأدلة العلمية.

أخيرا، ينبغي دمج وجهات نظر المواطنين العاديين في المناقشات الاستراتيجية. من خلال إنشاء منتديات عامة تبني على مبادرات مثل مؤتمر المفوضية الأوروبية حول مستقبل أوروبا ولجان المواطنين الأوروبيين، يصبح بوسع صناع السياسات الحفاظ على صلاحية الالتزامات طويلة الأجل وضمان اضطلاع مصالح الأجيال المقبلة بدور مركزي في كيفية تعامل أوروبا مع المشكلات الاجتماعية الكبرى.

في كثير من الأحيان، يعطي المسؤولون المنتخبون الأولوية لمكاسب قصيرة الأمد لدوائرهم الانتخابية على التخطيط للأمد البعيد، ويعمل هذا على إيجاد توترات عميقة بين الأجيال تشكل مخاطر جهازية. على ضوء هذا الواقع، يتبين لنا أن تعيين مفوض للعدالة بين الأجيال كفيل بتحويل عملية صنع السياسات الأوروبية.

إذا أتيحت له الفرصة للحصول على القدر الكافي من الدعم والموارد، فقد يترك لنا مفوض العدالة بين الأجيال في الاتحاد الأوروبي سابقة في كيفية تمكين المؤسسات الحكومية من تمثيل مصالح المجتمع بعيدة الأمد على نحو أفضل. في خضم التحديات العالمية غير المسبوقة، من تغير المناخ إلى الإرباك التكنولوجي، فإن مثل هذه الحوكمة التقدمية الفكر ليست مرغوبة فحسب، بل إنها تعد ضرورة أساسية.


خاص بـ «الاقتصادية»

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي