هل بدأت أزمة الجامعات في المملكة المتحدة؟

انخفاض عدد الطلاب الأجانب سيؤدي إلى زيادة رسوم التعليم الجامعي وتراجع عدد الجامعات والكليات في بريطانيا


لم يحدث أبداً أن أفلست جامعة في بريطانيا، وهو نجاح قياسي بالنسبة إلى قطاع يتجاوز تاريخه 900 عام. بيد أن ذلك قد يحدث في وقت غير بعيد إذا استرشدنا بأصوات المعاناة التي تصدر عن الأروقة الأكاديمية. فقد دعا رئيس أكبر نقابة للتعليم العالي إلى تقديم حزمة إنقاذ عاجلة لتجنب وقوع "كارثة". ولأن هذه الأزمة كانت متوقعة، لا ينبغي أن تثير اللحظة الحاسمة دهشة أحد من الناس.

حذرت سلسلة من التقارير من هيكل التمويل المترنح وغير المتوازن الذي تعتمد عليه الجامعات في المملكة المتحدة. فقد ثبتت المصروفات الدراسية بالنسبة إلى الطلاب البريطانيين عند 9250 جنيهاً إسترلينياً (11925 دولاراً) منذ 2017، ولم تطرأ عليها زيادة إلا بقيمة 250 جنيهاً خلال الـ12 عاماً الماضية. وتقل قيمة هذه المصروفات الآن عن 6000 جنيه إسترليني بأسعار 2012.

ولأنها لا تحصل على منح وهبات سخية كالجامعات في الولايات المتحدة أو مصادر الدخل الكبيرة الأخرى، تتطلع المؤسسات التعليمية البريطانية إلى الطلاب الأجانب الذين يدفعون مصروفات دراسية أعلى من البريطانيين بكثير. وقد زاد اعتماد تلك المؤسسات عليهم كمصدر للإيرادات الوفيرة مع زيادة أعدادهم. وما إن تحولت هذه الزيادة إلى انكماش حتى أصبحت ساعة الحساب أمراً محتوماً.

 

سيناريوهات العجز المالي في الجامعات


تتوقع نحو 40% من مؤسسات التعليم العالي، أو 108 مؤسسات من 269 مؤسسة، أن تعاني العجز في العام الجامعي الذي ينتهي في 31 يوليو، وفقاً لتقرير الاستدامة المالية الذي صدر في شهر مايو عن "مكتب الطلاب"، وهو هيئة مستقلة لتنظيم القطاع في بريطانيا. وهذا قبل أن تشعر الجامعات بتأثير انخفاض التحاق الطلاب الأجانب بها كاملاً. وقد ظهرت في الدراسة كلمة "تحدي" 13 مرة.

وضع التقرير مجموعة من السيناريوهات الأشد تشاؤماً من التوقعات التي قدمتها الجامعات، بعد أن وصفها بالمبالغة في تفاؤلها.

في أسوأ هذه السيناريوهات، توقع التقرير انخفاض التحاق الطلاب الأجانب بنسبة 61% بحلول 2026-2027 مقارنة بالسنة التي تنتهي يوم الأربعاء 31 يوليو 2024. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تراجع صافي الدخل السنوي للقطاع بنحو 9.7 مليار جنيه إسترليني ويدفع 226 مؤسسة، أو 84% من إجمالي المؤسسات التعليمية، إلى دائرة العجز المالي. حتى في أخف السيناريوهات، الذي يفترض عدم زيادة العدد الإجمالي للطلاب حتى نهاية عام 2026-2027، يتوقع التقرير انخفاض صافي الدخل بقيمة 3.4 مليار جنيه إسترليني مع معاناة 176 مؤسسة تعليمية العجز المالي.


احتمالات الانكماش

 

إلى أي درجة يحتمل أن يحدث هذا الانكماش؟ لا يخرج ذلك عن نطاق الاحتمال. فمن شأن انخفاض الرقم بنسبة 60% أن يرجع بعدد الطلاب الأجانب إلى نحو 200 ألف طالب سنوياً، وهو العدد الذي كان سائداً في الفترة بين عامي 2012 و2018.

يرى التقرير أن انخفاض هذا الرقم بنسبة 45% في السنة الأكاديمية القادمة "يبدو واقعياً" استناداً إلى أرقام الالتحاق الأخيرة. وربما تستقر عند مستوى أعلى من ذلك.

تظهر أحدث أرقام وزارة الداخلية عن طلبات التأشيرات الطلابية انخفاض أعدادها بنسبة 17% خلال الأشهر الـ6 المنتهية في شهر يونيو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. إلا أن ذروة موسم طلب التأشيرات تمتد من يوليو إلى سبتمبر، لذلك يجب الانتظار إلى وقت لاحق من العام الحالي حتى نحصل على تقدير كامل للموقف.

حتى لو أدى انتعاش الطلب الخارجي لاحقاً إلى وقف التدهور، فإن ذلك لا يغير الصورة العامة لنموذج التمويل الذي انتهت صلاحيته.

أدى ارتفاع عدد الطلاب الأجانب الذين يدفعون مصروفات دراسية عالية إلى تغطية العجز في الإيرادات، وقد صاحب ذلك توترات اجتماعية، حيث يشعر الطلاب المحليون بأنهم يُستبعدون بشكل متزايد من أكثر الدورات التنافسية في أكثر الجامعات المرغوبة.

سيتعين على هذا النظام قريباً استيعاب مجموعة أكبر بكثير من الطلاب البريطانيين، حيث يعني التضخم الديموغرافي، أو ارتفاع نسبة الشباب في إجمالي السكان، زيادة عدد الشباب في سن 18 عاماً بواقع 200 ألف شاب في عام 2030 مقارنة بـ2020.


حكومة العمال ترفض حزمة الإنقاذ


رفضت حكومة حزب العمال التي تولت مهامها في شهر يوليو الطلب الخاص بحزمة لإنقاذ الجامعات الذي قدمته جو غرادي، الأمينة العامة لاتحاد الجامعات والكليات، الذي يمثل 120 ألف موظف في هذا القطاع. فآخر ما يحتاج إليه حزب العمال هو تلك الأزمة المالية للجامعات، وسط وجود عديد من المطالب الأخرى من الخزينة العامة.

تخطط عشرات من المؤسسات لتخفيض عدد الموظفين والمقررات الدراسية لخفض التكاليف أو أنها تنفذ ذلك فعلاً – ومن بينها "لينكولن" (Lincoln) و"هدرسفيلد" (Huddersfield) و"جولدسميث" (Goldsmiths) في لندن وكنت، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام البريطانية.

قالت فيفيان ستيرن، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "جامعات المملكة المتحدة" (Universities UK)، التي تمثل 142 مؤسسة تعليمية، لراديو "بي بي سي" إن غالبية القطاع "في أزمة مالية". ومن شأن انهيار مؤسسة كبرى أن يختبر عزم الحكومة على دفع القطاع إلى حل مشكلاته بنفسه.

يسهم التعليم العالي بشكل كبير في الاقتصاد، وهو من مصادر الميزة التنافسية لبريطانيا، حيث يتمتع بسمعة عالمية في الجودة تزيد من إيرادات التصدير وترفع من مكانة البلاد.

دعم هذا القطاع 768 ألف وظيفة بدوام كامل، وحقق ناتجاً اقتصادياً يزيد على 130 مليار جنيه إسترليني في العام الدراسي المنتهي في 2022، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة لندن إيكونوميكس.(London Economics)


تغيير حتمي في هيكل التمويل


يبدو أن التغيير الجوهري في هيكل التمويل أمر لا مفر منه. وفي مرحلة ما، سيحتاج القطاع إلى إعادة تحديد الرسوم الدراسية المحلية بالتأكيد وربطها بمعدل التضخم، على الرغم من أن هذا الخيار قد لا يكون مستساغاً في ضوء ارتفاع حجم ديون الطلاب فعلاً في المملكة المتحدة.

ربما يوجد أيضاً ما يبرر التمييز بين الرسوم الدراسية حتى تعكس تكلفة الخدمة وقيمتها المستقبلية للطلاب الجامعيين، كما يقول شيتيج كابور، نائب رئيس جامعة كينجز كوليدج لندن.(King’s College London)

كتب كابور في دراسة صدرت في نوفمبر أن الممرضة وطبيب الأسنان اللذين يتخرجان في إنجلترا يدفعان نفس المبالغ الأساسية مقابل تعليمهما، على الرغم من أن تكلفة تعليم الطبيب أعلى بكثير.

في الوقت نفسه، ينبغي أن نتوقع مزيداً من تقليص وتوحيد الدورات الدراسية، وحتى عمليات الاندماج.

إن مشاركة الوظائف الإدارية مثل وظائف المالية والموارد البشرية والتكنولوجيا طريقة واضحة لتوفير التكاليف للمؤسسات القريبة جغرافياً من بعضها بعضاً. وقد بدأت هذه العملية للتو. إذا كان لديك أبناء يحتمل أن يلتحقوا بالجامعة في السنوات القليلة المقبلة، فاستعد لزيادة المصروفات الدراسية.


خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي