أسعار الفائدة والطريق المتعرج
في سياقات اقتصادية متباينة تقوم البنوك المركزية حول العالم بتعديل سياساتها النقدية للتعامل مع تحدياتها الخاصة بشأن النمو والتضخم، وهذا ما يجعل النمو الاقتصادي مهمة معقدة.
نجد تبايناً واضحا في معدلات الفائدة بين الدول، على سبيل المثال، اليابان وسويسرا تحتفظان بمعدل فائدة منخفض حيث يبلغ 0.25% و1.25% على التوالي لدعم النمو الاقتصادي وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي، حيث إن سويسرا تحتفظ بمعدل فائدة منخفض لتعزيز ودعم النمو الاقتصادي في بيئة اقتصادية مستقرة نسبياً، ونلاحظ كذلك أن معدل الفائدة الحقيقي في اليابان -2.6% والتضخم أعلى من الفائدة، أما سويسرا فمعدل الفائدة الحقيقي 0.0% ومعدل التضخم منخفض 1.3% وجميعهما، أي اليابان وسويسرا تعكسان حالة استقرار في أسعار المستهلكين مقارنة بما وصل إليه كثير من الدول من ارتفاعات كبيرة، بسبب جودة السياسات النقدية في اليابان وشدة التنوع الاقتصادي في سويسرا التي تعد مضرب المثل في التنوع.
في المقابل نجد دولا مثل الأرجنتين تفرض فائدة مرتفعة 40% في محاولة لتقليل الطلب المحلي وخفض الضغوط التضخمية، حيث تواجه الأرجنتين معدل تخضم مفرطا للغاية 263.4% ما يؤثر سلبا في القوة الشرائية ويزيد من تكاليف المعيشة. وفي دولة مثل روسيا معدلات الفائدة وصلت إلى 18% بسبب العقوبات الدولية وبهدف دعم الروبل والسيطرة على التضخم البالغ 9.1%. وبالنظر إلى قرارات البنوك المركزية من جوانب أخرى، نرى تايوان من الدول الأقل في معدل الفائدة 1.875% مع تضخم 2.3% وقراراتها في جوانب السياسة النقدية تعزى غالبا إلى رغبتها في المحافظة على النجاح التكنولوجي والتصديري.
تظل حالة التنبؤ بالتوجهات العالمية لأسعار الفائدة متشابكة، إلا أن البنوك المركزية تعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل لاتخاذ قرارات سعر الفائدة، وتشمل هذه العوامل التضخم حيث تتم مراقبة مستوى الأسعار وتأثيره في القوة الشرائية، والنمو الاقتصادي الذي يتمثل في معدل الناتج المحلي الإجمالي، كما تؤخد معدلات البطالة في الحسبان لتقدير تأثيرها في الاستهلاك والاستقرار الاجتماعي.
علاوة على ما سبق: يعد الاستقرار المالي مهما لتجنب الأزمات المالية، بينما يؤثر سعر الصرف في العملة والتجارة الدولية، وفي نفس الوقت تتفاعل البنوك مع السياسات المالية الحكومية وتراقب التغيرات العالمية التي قد تؤثر في الاقتصاد المحلي، وتتابع توقعات السوق والمستويات التكنولوجية والابتكارات التي قد تؤثر في الإنتاجية، إضافة إلى أن الأوضاع الجيوسياسية تلعب دورا في التأثير في الاستقرار الاقتصادي كما في الوضع الروسي.
أخيرا: أمام البنوك المركزية طريق طويل ومتعرج، حيث ستتأرجح الدول بين السياسات النقدية المتشددة للتحكم في التضخم مثل الأرجنتين أو الاستجابة للأحداث الجيوسياسية مثل روسيا حتى مع انخفاض الفائدة الأمريكية، وأخرى تيسيرية لتعزير النمو الاقتصادي واستقرار الأسواق المالية مثل اليابان وتايلاند والهند، أو سياسات تحوطية لضبط السيولة ولدعم العملات المحلية مثل الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، ودول أخرى ستعتمد على السياسات النقدية التكيفية مثل سويسرا والنرويج للحفاظ على استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي.
أما الفروقات الإقليمية فهناك تباين كبير بين السياسات النقدية في أمريكا اللاتينية، حيث تميل إلى معدلات مرتفعة بسبب التضخم مقارنة بأوروبا وآسيا، حيث إن السياسات أكثر استقرارا وتميل إلى التخفيض.