التضخم وحالات في سوء فهمه
كلمة التضخم السائدة ترجمة للكلمة inflation. وتعني بتبسيط مختصر حصول غلاء عام، أي ارتفاع في المستوى العام للأسعار. وهذا المستوى العام يعبر عن عملية الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، أو بعبارة مكافئة: الانخفاض المستمر في قيمة النقود، ولذا لا يسمى ارتفاع الأسعار تضخما بالمعنى العام إلا إذا ارتفع المستوى العام للأسعار باستمرار، أما إذا ارتفعت أسعار بعض السلع دون أن يرتفع المستوى العام للأسعار، أو ارتفعت لفترة مؤقتة، فلا يسمى من ناحية فنية تضخما. ويعبر إحصائيا عن التضخم بأنه معدل الزيادة في الأسعار خلال فترة زمنية محددة، كالشهر والسنة. كلنا طبعا نكره الغلاء ونتعوذ منه. وهنا سؤال: هل يصاحب التضخم ارتفاع في الدخل؟ قد وقد يحدث أحدهما فقط، وقد يتحرك أحدهما بمعدل أعلى من الآخر، والنتيجة أن الدخول الحقيقية تزيد أو تقل.
الذين يتحدثون عن التضخم كثيرون، وبعضهم يقول كلاما فيه سوء فهم. لنأخذ العبارات التالية:
ارتفاع الإيجارات من أهم أسباب التضخم زيادة السكان من أسباب التضخم، لا تأثير لزيادة الأجور والرواتب محليا على التضخم لأن الغلاء عالمي، جشع التجار وراء غلاء الأسعار أو التضخم.
القول إن ارتفاع الإيجارات من أهم أسباب التضخم تعلل الشيء بجزء منه. وكأنها تقول غلاء الإيجارات من أسباب الغلاء! ارتفاع الإيجارات (أو أسعار المواد الغذائية، أو... إلخ) هو جزء من مكونات التضخم. والبحث في سببه موضوع آخر.
هل زيادة السكان تزيد التضخم؟ تزايد السكان لا يعني بالضرورة حصول غلاء، وإلا لكانت أكثر الدول سكانا أو ازدحاما هي أكثرها غلاء. قد يزيد عدد السكان دون أن ترتفع الدخول، تماما مثل أن يزيد عدد أفراد الأسرة دون أن يزيد دخلها ريالا واحدا، والنتيجة أن دخل الفرد انخفض، أما المستوى العام للأسعار فيبقى على حاله.
قد تتسبب زيادة السكان في تغيير الأسعار النسبية. مثلا، إذا بقي الدخل على حاله، ولكن زاد السكان، فالأغلب أن الطلب على الإسكان يزيد، وتزيد الإيجارات، وليس المستوى العام للأسعار (أي لا يكون هناك تضخم)، وإنما إعادة توزيع لموارد الناس بين أوجه الإنفاق، فيزيد ما ينفق على السكن، مقابل خفض الإنفاق على غيره. هذا الوضع غالبا وليس دوما.
وأما القول إنه لا تأثير لزيادة الأجور والرواتب على التضخم فعبارة مجملة غير دقيقة. قد تؤثر وقد لا تؤثر، وقد لا يكون الجواب مؤكدا. ولكن في حالة أن الدخل زاد -قل مثلا- 40%، وتحول هذا الدخل إلى طلب -أي أُنفق هذا الدخل- وكانت الزيادة في المعروض من السلع والخدمات، مثلا 10%، وهي نسبة تقل كثيرا عن زيادة الطلب، فإن ارتفاع الأسعار كان أمرا حتميا، حتى بافتراض ثبات أسعار الواردات. وإلا فإنه سيتبادر إلى الذهن سؤال منطقي: أين ذهبت الزيادة في الإنفاق رغم قلة المعروض؟ طبعا ليس من الضروري أن ترتفع الأسعار بنفس نسبة ارتفاع الدخل. ولو كان الأمر كذلك لما كانت هناك أي فائدة من تزايد مستوى الأجور في الدول، ولتساوت الدول في مستويات المعيشة.
وأخيرا، يخلط كثير من الناس بين التضخم والجشع. الممارسات الجشعية قد يصاحبها تضخم وقد لا يصاحبها، بل تتسبب في انتقال موارد من طرف إلى طرف دون التأثير على المستوى العام للأسعار. قد يحدث أن ترتفع الأسعار ارتفاعا كبيرا في إطار تلاعب، وقد يحدث بسبب اختلال بين عرض وطلب سلعة أو مجموعة من السلع، بدون وجود تكتلات أو تعمد سلوكيات للإضرار بقوى السوق.
هل قياس التضخم خال من المشكلات والعيوب؟ ما التأثيرات الاقتصادية للتضخم ومعالجته؟ هل من علاقة بين التضخم والعطالة؟ موضوعات لا يتيح المقام الحديث عنها في هذا المقال، وبالله التوفيق.