سلمان والرياض .. قصة تطوير لا تتوقف وإن تغيرت المناصب

سلمان والرياض .. قصة تطوير لا تتوقف وإن تغيرت المناصب
المترو الوسيلة الأبرز في العاصمة للتنقل. تصوير: يوسف الدبيسي

عام 2009، كانت أغلب العواصم الكبرى تعاني الركود، إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، حينها كان الملك سلمان بصفته رئيسا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأميرا لها آنذاك، قد انتهى من التخطيط ومراجعة الدراسات الفنية مع المختصين والتنسيق مع أصحاب المصلحة، قبل أن يضع لمساته الأخيرة على خطته الشاملة التي استهدفت تطوير نظام النقل العام في الرياض، وهي خطة عمودها الفقري إنشاء قطار كهربائي، ليكون الوسيلة الأبرز في التنقل لتغيير وجه العاصمة السعودية، التي ظل مسؤولا عنها لأكثر من نصف قرن، منذ أن كانت بيوتها طينية، وحتى أضحت ضمن أفضل مدن العالم في مؤشر قابلية العيش 2023.

وتكشف وثيقة تاريخية أن الملك سلمان تقدم بمقترح شامل في 20 أكتوبر 2009، لتطوير منظومة النقل في العاصمة السعودية على أن يكون قطار الرياض هو عمودها الفقري، وذلك تماشيا مع النمو العمراني والسكاني الذي عاشته الرياض وقتها، كما كشفت الوثيقة عن الآلية التي عمل بها الملك سلمان والتي تلازمه دوما، وهي آلية تعتمد أولا على قراءة الواقع جيدا واستشراف المستقبل والعمل من أجل الأجيال الجديدة، بجانب الاعتماد على التخطيط والدراسة.

فقبل أن يتقدم بمقترحه، وجه أولا بإجراء دراسات لتطوير منظومة النقل، ثم أقام ورشة عمل شارك فيها خبراء عالميون من أمريكا وألمانيا وكندا، لدراسة الوضع المستقبلي للرياض، واستعان بالشركات الاستشارية العالمية مثل "دورنير" الألمانية و"آي بي آي" الكندية.

استخدام الملك سلمان لفظ "العمود الفقري" في وصفه لمشروع النقل العام بشقيه الحافلات والقطار، كشف أيضا عن قيمة هذا المشروع وأهميته بالنسبة إليه، كما أن تنسيقه مع الجهات السعودية على غرار وزارتي النقل والمالية، لبحث سبل تمويل قطار الرياض قبل أن يتقدم به كمقترح، دليل على نهجه المؤسسي وإيمانه المبكر بأن الحوكمة هي الطريق الأفضل لتنفيذ المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي اتسعت بعد توليه الحكم، حتى تجاوزت قيمتها في مايو الماضي 880 مليار دولار، بحسب ميد جلوبال ضمن قمة جيجا 2024.

ورغم تغير مهام الملك سلمان واتساع مسؤولياته خلال السنوات الماضية، لكنه ظل يرعى مقترحه الذي تحول إلى حقيقة حين تم إقراره في 2012 وكان يتولى حينها منصب نائب رئيس الوزراء بجانب كونه وليا للعهد، وفي 2013 تم توقيع عقود قطار الرياض مع 3 ائتلافات عالمية بقيمة بلغت 22.5 مليار دولار، ومع أن التحديات العالمية مثل جائحة كورونا مطلع 2020 عطلت المشروع بعض الوقت، إلا أن الملك سلمان ظل يتابع نسب التنفيذ ويذلل أي عقبة، في دلالة واضحة على الثقة بالقرارات والرؤية حتى لو مرت عليهما سنوات، وأيد خبراء تلك الرؤية، مؤكدين أن مترو الرياض نقلة كبيرة في منظومة النقل داخل العاصمة، علاوة على فوائده الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.

مع تولي الملك سلمان الحكم في 23 يناير 2015 وإطلاق رؤية 2030 التي أسفرت عن مئات المشاريع الإستراتيجية الكبرى في كافة أرجاء السعودية، ظل قطار الرياض على قائمة الأولويات، خاصة بعد أن تحولت الرياض إلى عاصمة عالمية تحتضن مقار إقليمية لنحو 517 شركة عالمية كبرى وعشرات الآلاف من الموظفين والخبراء الأجانب، إضافة إلى مئات الآلاف من السياح الذين يأتون إليها سنويا للاستمتاع بالمواسم الترفيهية والعروض الفنية، ونتيجة لهذا الزحام من البشر كان لا بد من وجود منظومة نقل حديثة يكون عمودها الفقري قطارا يصل طوله إلى 176 كيلومترا ويتكون من 84 محطة، ما رآه الملك سلمان الذي تنبأ بكل ذلك تحقق بعد أكثر من 15 عاما.

قصة قطار الرياض بداية من التفكير المسبق والتخطيط ومرورا بتذليل العقبات حتى التنفيذ، ليست أكثر من نموذج لعشرات المشاريع التي اقترحها وأشرف عليها وافتتحها الملك سلمان منذ أن تولى أول مناصبه في 16 مارس 1954 كأمير بالنيابة لمنطقة الرياض وهو في الـ19 من العمر، ثم أميرا عليها في 18 أبريل 1955، ورغم أن منطقة الرياض هي أكبر مناطق السعودية وتشكل تحديا كبيرا لكل من يتولى مسؤوليتها، لكنها منذ اللحظة الأولى سكنت قلب الملك سلمان الذي أثبت جدارته بالمنصب وحاز ثقة كل ملوك السعودية الذين اطمأنوا إلى أن العاصمة في يد قائد لا يتحرك إلا بالعلم والتخطيط والدراسة واستشراف المستقبل.

وبعد مرور نحو 7 عقود، لا تزال علاقة الرياض بالملك سلمان علاقة فريدة عنوانها التطوير المستمر، فكل ركن في العاصمة يحمل بصماته بداية من الوزارات والهيئات التي أشرف على بنائها في ستينيات القرن الماضي، ومرورا بحي السفارات الذي تابع تشييده في السبعينيات وحتى إقامة المدارس والفنادق والأندية ورصف الطرق.

وإذا كان هذا هو الماضي، فالمستقبل سيحمل ذات بصمة النجاح، بعد افتتاحه منذ أيام قطار الرياض الذي تبلغ طاقته الاستيعابية مليون راكب ليصبح هدية الأجيال القادمة ويجعل العاصمة أقل زحاما وتلوثا، ومن ناحية أخرى يؤكد أن المشاريع الأخرى التي تم إطلاقها في عهد الملك سلمان سترى النور قريبا.

الأكثر قراءة