تحول الصناديق الاستثمارية السعودية إلى متداولة!

بينما يوجد في السعودية نحو 250 شركة مدرجة، هناك قرابة 900 صندوق استثماري عام وخاص، ومنذ سنوات طويلة وكثير من الناس يتساءلون عن أسباب عدم انتقال هذه الصناديق الاستثمارية إلى السوق المالية "تداول" ليتم تداولها تماماً كالأسهم! غني عن القول إن تداولها كأسهم له فوائد عديدة، من حيث البيع والشراء الفوري والسيولة العالية وعدم الحاجة إلى فتح حساب لدى كل مؤسسة مالية، ليتمكن المستثمر من شراء صناديقها، إلى جانب فوائد أخرى متعلقة بالشفافية وأمور تنظيمية وقانونية وضريبية. فما المشكلة في انتقال هذه الصناديق إلى تداول، وهل التجارب الدولية تشير إلى هذا التوجه أم لا، وهل تمت عمليات تحول في السنوات الماضية أم لا؟

سبب كثرة الصناديق الاستثمارية في السعودية، مقارنة بالأسهم، يعود إلى سهولة تأسيسها وطول تجربتها المحلية التي بدأت قبل انطلاق سوق الأسهم، إلى جانب عدم قدرة كثير من المستثمرين على القيام بالتداول بأنفسهم، ولكن السبب الأهم هي المرونة لدى مدير الصندوق في اختيار الأسهم وتنويع مكونات الصندوق وموازنته كيفما يشاء، لذا فالاستثمار بها يعرف بأنه نشط ودائماً يكون مفتوح، بينما لو انتقل الصندوق إلى التداول الفوري فهناك صعوبة في بقائه كصندوق نشط وفي بقائه كصندوق مفتوح. ولذا نجد أن الصناديق المتداولة لدينا إما أولا: مغلقة ونشطة وهي حالياً 4 صناديق إضافة إلى الصناديق العقارية المتداولة، أو ثانيا: مفتوحة ولكن غير نشطة، وهي صناديق المؤشرات المتداولة الـ5 فقط.

بعيداً عن التفاصيل والتصنيفات غير الضرورية، التحدي الرئيسي أمام أي صندوق استثماري تقليدي للانتقال إلى تداول يكمن في كونه صندوقاً مفتوحاً، ما يعني أن عليه قبول طلبات الاشتراك والاسترداد بشكل مباشر لو انتقل، وبالتالي تغير حجم أصوله باستمرار، وهذا أمر سهل جداً لو بقي كصندوق استثماري تقليدي، بينما من الصعب جداً القيام بذلك لو كان الصندوق متداولاً، لماذا؟ في الصندوق التقليدي يتم استلام النقد من المستثمر ومنحه عدد جديد من وحدات الصندوق، لذا فهو مفتوح من هذا الجانب، وفي حال الاسترداد يقوم المستثمر بإرجاع الوحدات إلى الصندوق والحصول على النقد بحسب سعر الصندوق. ولكن لو انتقل هذا الصندوق إلى "تداول" فسيكون له سعر سوقي خاضع للعرض والطلب يتجه إليه المستثمرين للشراء والبيع وتختفي آلية الاشتراك والاسترداد، وهذه ميزة للصندوق ولكنه في هذه الحالة بالضرورة سيصبح صندوقاً مغلقاً وليس مفتوحاً كما كان سابقاً، وسيكون له سعرين، سعر مبني على القيمة الحقيقية لأصوله وسعر سوقي، فما الحل؟

مرة أخرى، مشكلة وجود السعرين أن هناك أحياناً تباين كبير بين السعرين، يصل أحياناً إلى 30% وأكثر، وهذا أمر غير مقبول، لذا فالطريقة الصحيحة، هي أن تنتقل الصناديق الاستثمارية إلى تداول ولكن يجب أن تبقى مفتوحة، ما يعني أنها يجب أن تستقبل طلبات اشتراك واسترداد، عادة ليس من عامة المتداولين بل فقط عن طريق صناع سوق معينين، بحيث يمكن للصندوق الإفصاح الكامل عن محتوياته للجميع (وهذا نموذج شائع) أو فقط لصناع السوق المرخصين، فيقف مستعداً لاستبدال وحداته بسلة مطابقة من الأسهم والعكس في جميع الأوقات. هنا يصبح الصندوق مفتوحاً، ويستطيع الاستمرار في كونه صندوقاً نشطاً، وبدون هذه الآلية لا يمكن أن يكون الصندوق مفتوحاً ونشطاً في آن واحد، بل يكون مثل صناديق المؤشرات التي هي مفتوحة ولكن غير نشطة، فمكوناتها معروفة بشكل كامل ومعلن في جميع الأوقات، أو يكون مغلقاً ونشطاً كالصناديق الـ4 المذكورة والصناديق العقارية المتداولة.

هناك عدد من الصناديق الاستثمارية في أمريكا وحول العالم ممن انتقل إلى التداول، وزادت وتيرة هاذ التوجه في السنوات القليلة الماضية، والحلول تتطلب وجود أطراف أخرى، كصناع السوق يتولون عملية الاشتراك والاسترداد بدلاً عن عامة الناس، وتكون مكونات الصندوق معلنة بشكل كامل، أي لا يوجد أسرار في إستراتيجية الصندوق، أو تكون بشكل شبه شفاف، فيعلن عن سلة من الأسهم مكافئة لمكونات الصندوق دون الإفصاح عن المكونات الفعلية. والفائدة من هذه الآلية أنها تغير من طريق التعامل بالصناديق الاستثمارية بجعلها صناديق متداولة للفوائد المذكورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي