النمو العالمي .. متفاوت وغير مؤكد

تشير توقعاتنا إلى أن النمو العالمي سيظل مستقرا عند 3,3% في العامين الجاري والمقبل، وهو ما يتسق على نحو كبير مع النمو المحتمل الذي ضعُف كثيرا منذ ما قبل الجائحة. وسيشهد التضخم تراجعا، إلى 4,2% في العام الجاري و3,5% في العام المقبل في عودة إلى الأهداف التي وضعتها البنوك المركزية التي ستتيح إعادة السياسة النقدية إلى أوضاعها الطبيعية بقدر أكبر. وسيساعد هذا الأمر على الاقتراب من وضع نهاية للاضطرابات العالمية التي شهدتها السنوات الأخيرة، بما في ذلك الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا، التي عجَّلت بحدوث أكبر زيادة في التضخم على مدى 4 عقود.

وعلى الرغم من أن آفاق النمو العالمي لم يطرأ عليها تغيير يُذكر عما كانت عليه في أكتوبر الماضي، فإن الفجوات بين البلدان تزداد اتساعا. ومن بين البلدان المتقدمة، تظهر الولايات المتحدة أقوى مما كان متوقعا على أساس استمرار قوة الطلب المحلي. وقد رفعنا توقعاتنا للنمو فيها لهذا العام بمقدار 0,5 نقطة مئوية، ليصل إلى 2,7%.

على العكس من ذلك، من المحتمل أن يحقق النمو في منطقة اليورو زيادة محدودة، حيث يبلغ 1% ارتفاعا من 0,8% في 2024. وتشمل العوامل المعاكسة ضعف الزخم، ولا سيما في الصناعة التحويلية، وضعف ثقة المستهلكين، واستمرار وجود صدمة سلبية في أسعار الطاقة. ولا تزال أسعار الغاز في أوروبا أعلى بنحو 5 أضعاف مما هي عليه في الولايات المتحدة، في حين كانت أعلى بمقدار ضعفين قبل الجائحة.

وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة، لم يطرأ تغيير يُذكر على توقعات النمو، حيث تبلغ 4,2% في العام الجاري و4,3% في العام القادم. ويسهم ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن التجارة والسياسات في ضعف الطلب في كثير من البلدان، إلا أنه من المحتمل أن يزداد النشاط الاقتصادي مع انحسار هذه الحالة. وينطبق هذا الأمر على الصين، حيث نتوقع اليوم أن يبلغ النمو 4,5% في العام المقبل، بارتفاع مقداره 0,4 نقطة مئوية عن تنبؤاتنا السابقة.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض التباعد في مسارات النمو بين الاقتصادات الكبيرة كان دوريا، مع تجاوز أداء الاقتصاد الأمريكي مستوياته الممكنة، في حين يعمل الاقتصاد في أوروبا والصين دون المستويات الممكنة. وفي ظل السياسات الحالية، سيتلاشى هذا التباعد الدوري. إلا أن التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا يُعزى بشكل أكبر إلى عوامل هيكلية، وسيظل الانفصال بينهما قائما إذا لم تتم معالجة هذه العوامل.

في الواقع، لا تزال حالة عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية مرتفعة في ظل وجود كثير من الحكومات الجديدة المنتخبة في 2024. وتتضمن توقعاتنا التطورات التي شهدتها الأسواق أخيرا، وأثر ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية، التي من المفترض أن تكون مؤقتة، ولكنها لا تقدم افتراضات بشأن التغيرات المحتملة في السياسات التي هي قيد النقاش العام حاليا.

وعلى المدى القريب، يمكن لمجموعة من المخاطر أن تزيد تفاقم هذه الفجوات. فقد تشهد الاقتصادات الأوروبية تباطؤا أكبر من المتوقع، خاصة إذا زادت مخاوف المستثمرين بشأن استدامة القدرة على تحمل الدين العام في البلدان الأكثر عرضة للمخاطر. إضافة إلى هذا، فإن تجدد الضغوط التضخمية، إذا حدثت بعد فترة وجيزة من الارتفاع الكبير أخيرا، يمكن أن يؤدي إلى انفلات ركيزة التوقعات التضخمية إلى حد كبير في هذه المرة، إذ إن الناس والشركات أكثر حذرا الآن بشأن حماية دخلهم الحقيقي ومعدلات الربحية.

ومن المرجح أن تتفاقم هذه المسألة في اقتصادات الأسواق الصاعدة نظرا لانتقال آثار أسعار صرف الدولار إلى الأسعار المحلية، وتأثيرات ضعف النمو المحلي في الصين. وفي معظم الحالات، ستتمثل الاستجابة المناسبة على مستوى السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة في ترك العملات لتنخفض قيمتها حسبما تقتضي الضرورة، مع تعديل السياسة النقدية لتحقيق استقرار الأسعار.

وأخيرا، ينبغي بذل مزيد من الجهود لتقوية مؤسساتنا متعددة الأطراف وتحسين مستواها للمساعدة على إطلاق العنان لاقتصاد عالمي أكثر ثراء واستدامة وقدرة على الصمود. ومن النادر أن تؤدي السياسات الأحادية التي تشوِّه المنافسة - مثل التعريفات الجمركية، أو الحواجز غير الجمركية، أو الدعم - إلى تحسين الآفاق المحلية بشكل دائم. ومن غير المحتمل أيضا أن تحسن الاختلالات الخارجية، وقد تؤدي بدلا من ذلك إلى إلحاق ضرر بالشركاء التجاريين، وتشجيع التدابير الانتقامية، وترك كل بلد في وضع أسوأ مما كان عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي