سياسات ترمب .. مزيج من التحديات والفرص للاقتصاد العالمي وتشدد تجاه الحلفاء

سياسات ترمب .. مزيج من التحديات والفرص للاقتصاد العالمي وتشدد تجاه الحلفاء
ترمب في المكتب البيضاوي. "رويترز"

لم تكد الجهود الدولية لإخراج الاقتصاد العالمي من حالة عدم اليقين القابع فيها تفلح، حتى فاقم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تلك الحالة بوعوده القومية وسياسات "أمريكا أولا" فور عودته إلى المكتب البيضاوي.

عاد ترمب، وأصبح الرئيس الأميركي الـ47 بعدما كان الـ45، فخرج على العالم بخطابات نارية في يوم التنصيب، ملأها بتعهدات قومية بدا جوهرها نيّة إدارته إعادة تشكيل دينامّيات التجارة العالمية.

تعهدات ترمب شملت إعادة وظائف التصنيع للولايات المتحدة، وطرد المهاجرين غير الشرعيين، وفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، وإعلان حالة طوارئ وطنية في قطاع الطاقة بهدف تعزيز إنتاج النفط والغاز، وإعادة التفاوض على الصفقات التجارية، وغير ذلك من الإجراءات.

كل تلك الوعود أرسلت موجات تسونامي إلى الأسواق وأثارت تساؤلات حول مستقبل العولمة في عالم مترابط بشكل متزايد عبر سلاسل التوريد والاتفاقيات المتعددة الأطراف، وفق ما يرى خبراء متخصصون في الاقتصاد والاستثمار والتجارة.

ويخشى المحللون الذين استطلعت آراؤهم "الاقتصادية" أن حالة عدم اليقين السائدة في الاقتصاد العالمي لن تتسع نطاقا وتتعمق فحسب، وإنما قد يشهد الاقتصاد الدولي أيضا حالة من الارتباك ويتفكك في بعض مفاصله إذا سارت الإدارة الأمريكيّة قدما في تنفيذ جدول أعمالها.

نهج "عدائي" تجاه الحلفاء

يرى مارتين دين، أستاذ التجارة الدولية، أن السياسات التجارية لترمب قد تعيد تشكيل المحاور التقليدية للتجارة العالمية.

وقال في حديث لـ "الاقتصادية" إن"النهج العدائي الذي يتبناه ترمب تجاه حلفاء رئيسيين مثل أوروبا وكندا سيدفع هؤلاء الحلفاء لإعادة النظر في علاقاتهم التجارية مع الولايات المتحدة، وهذا سيؤدي إلى تغيير جوهري في مسار وحجم التجارة الدولية".

أضاف "رفع التكاليف التجارية يؤدي إلى تراجع معدّلات نمو التجارة الدولية، وانخفاض نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي".

لكنه أشار في المقابل إلى أنّ التبادل التجاري بين أوروبا وكندا والصين ربما يتعزز "ما سيدعم جهود بكين لعولمة عملتها اليوان".

مكاسب الأسواق الناشئة مهددة

وبينما قد تتحمل الاقتصادات المتقدمة الضغوط الناجمة عن تلك السياسات الأمريكيّة، فإن الاقتصادات الناشئة، وخاصة المعتمدة على التجارة الأمريكية، سيكون عليها إعادة تقييم إستراتيجياتها في ضوء التحوّلات المحتملة في السياسة الأمريكية.

وقال دين إن "الاقتصادات الناشئة ستواجه تحديات صعبة، إذ ستُعتبر أسواقا بديلة يستهدفها الجميع، ما يهدّد مكاسبها المحققة في مجال التصنيع خلال السنوات الأخيرة."

في المقابل، ترى الدكتورة هولي روبرت، أستاذة الاقتصاد الكلي، أن السياسات الثنائية التي يتبناها ترمب قد تفتح آفاقًا جديدة للدول التي تتكيف مع مطالب الولايات المتحدة.

وقالت هولي في حديث لـ "الاقتصادية" إن "التحول من الاتفاقيات متعددة الأطراف إلى الصفقات الثنائية يوفر فرصا للدول الراغبة في التكيّف مع الشروط الأمريكية".
أضافت "الأسواق الناشئة، على سبيل المثال، قد تحقق مكاسب كبيرة من خلال تعزيز صادراتها وزيادة ناتجها المحلي الإجمالي."

الخبير المصرفي بتلر بارتينجتون توقع بدوره زيادة التقلبات في سوق العملات على المدى الطويل واستفادة الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك الصين من هذه التقلبات.

وقال في حديث لـ "الاقتصادية" إن "صعود الدولار يعزز سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة؛ لكن على المدى الطويل، قد يضعف الدولار بسبب التباطؤ في الاقتصاد الكلي وانخفاض أسعار الفائدة".

أضاف "هذا يمنح اليوان الصيني وعملات بعض الاقتصادات الناشئة فرصة لتعزيز مكانته في التبادلات التجارية الدولية."

للإنفاق الضخم "فوائد"

من جهة أخرى، يرى متخصصون أن الإنفاق الحكومي الكبير الذي تعتزم الإدارة الأمريكية توجيهه للبنية التحتية والدفاع والطاقة سيعود بفوائد على الاقتصاد العالمي.

وقال مارك زاندي، المحلل المالي في بورصة لندن، في حديث لـ "الاقتصادية" إن الإنفاق الضخم على البنية التحتية "سيزيد من الطلب على المواد الخام والسلع المصنعة عالميا".

أضاف "التخفيضات الضريبية للشركات الأمريكية ستعزز نمو الاقتصاد المحلي وتزيد الطلب العالمي على المواد الخام، ما سيُسهم في تعزيز اقتصادات عديدة."

وتابع "إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة ستؤدّي لمزيد من الطلب على النفط والغاز، وخلق أسواق وتقنيات جديدة في مجال الطاقة".

وعد المحلل المالي في بورصة لندن أن السياسات الاقتصادية التي يتبناها ترمب تمثّل مزيجا من الفرص والتحديات للاقتصاد العالمي.

وقال "بينما قد تُعزز التجارة الثنائية والاستثمار في البنية التحتية النمو في بعض المجالات، فإن التوترات التجارية وتقلبات سوق العملات قد تُلقي بظلالها على الاستقرار الاقتصادي العالمي."

وشملت قائمة أبرز الإجراءات التي تبناها ترمب إعلان حالة طوارئ في قطاع الطاقة وتعزيز الاستكشافات، فرض رسوم جمركية 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وإلغاء عديد من مبادرات الرئيس السابق جو بايدن للسيارات الكهربائية، وإصلاحا فوريا لمنظومة التجارة الأميركية، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وإعلان حالة الطوارئ لمحاربة التضخم.

الأكثر قراءة