الأسواق تتراجع والذهب يغرد وحيداً
شهد الأسبوع الجاري ارتفاعات قوية للذهب، استطاع خلاله المعدن الأصفر من تسجيل قمة تاريخية جديدة أعلى من 2860 دولارا للأونصة، هذا الارتفاع يعكس حالة عدم اليقين التي انعكست على الأسواق بعد تبادل الولايات المتحدة والصين (أكبر اقتصادين في العالم) زيادة التعرفات الجمركية فيما بينهما, حيث بدأ الرئيس ترمب حرباً تجارية على عدد من الدول من خلال رفع نسبة التعرفات الجمركية للبضائع الواردة لبلده من تلك الدول, منها كندا والمكسيك بنسبة 25% بينما كانت النسبة أقل على الصين التي سبق رفع التعرفات عليها خلال رئاسة ترمب الأولى.
هذه الحرب التي بدأها الرئيس الأمريكي قوبلت بردود متباينة من تلك الدول، لكن الأقسى كان من الصين التي ردت بفرض زيادة تعرفاتها الجمركية على البضائع الأمريكية وعلى رأسها النفط الأمريكي بنسبة 10% بينما أقرت زيادة بنسبة 15% على الفحم والغاز المسال.
خلال الأيام القليلة الماضية ومنذ تداولات الجمعة فقط تراجع مؤشر الإس آند بي 500 بنحو 190 نقطة وبنسبة تجاوزت 3% وهو المؤشر الأمريكي الأكبر من حيث القيمة السوقية، بينما انخفض الناسداك بخلال 3 جلسات فقط بأكثر من 800 نقطة وبنسبة تجاوزت 4%.
ولم يكن للداو جونز إلا اللحاق برفيقيه بانخفاض بـ 1150 نقطة لكن بنسبة كانت هي الأقل بينهما بنحو 2.5%. هذه التراجعات الحادة في المؤشرات الأمريكية وكذلك في بقية الأسواق الأوروبية والعالمية لم يشفع لها تراجع مؤشر الدولار بأكثر من 2% أو بنحو 2.25 نقطة.
وقد ذكرنا بمقالنا الأسبوع الماضي أن الأسواق لم تستجب لتراجع الدولار رغم كسره لاتجاهه الصاعد الذي استمر لأكثر من 4 أشهر، حيث سادت حالة عدم اليقين في الأسواق منذ أن فتح الرئيس ترمب النار على عدد من الدول من خلال رفعه للتعريفات الجمركية التي لم تسلم منها جارتيه كندا والمكسيك. بل أن القارة العجوز كذلك مهددة في مقبل الأيام بأن تشملها هذه الزيادات، بينما صرّح ترمب بأنه يأمل بأن تكون المملكة المتحدة بعيدة عن هذه الزيادة.
تزامنت هذه الاضطرابات بالأسواق مع موسم إعلان النتائج للربع الأخير من 2024 في السوق الأمريكية التي من المتوقع أن ترتفع فيها أرباح ستاندرد آند بورز 500 للسهم بنسبة 11.5% عن العام السابق، مع ارتفاع الإيرادات بنسبة 4.6%، هذا النمو بالدخل سيكون ثاني أسرع نمو في أي ربع منذ انتعاش 2021 بعد عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19, ورغم هذه التوقعات الإيجابية ظل الضغط مستمرا على السوق, وربما يستمر الضغط إلى حين وجود انفراج قريب لأزمة الحرب التجارية التي تدور رحاها الآن بين أكبر اقتصادات العالم, حيث إن استمرار الحرب التجارية بين الدول العظمى سيكون له انعكاسات سلبية على حركة التجارة العالمية، بالتالي تضرر الاقتصاد العالمي خاصة بما يتعلق بمنتجات الطاقة كالنفط الذي يعاني هو الآخر ضعف الطلب وتراجع النمو في الصين التي تعد ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم, ومع زيادة نسب التعرفات الجمركية على منتجات الطاقة فذلك سيضعف الطلب على النفط ويرفع من تكلفة استيراده وبنهاية المطاف سيكون ذلك سلبيا على قطاعات اقتصادية حيوية كالتصنيع والنقل والخدمات اللوجستية.
وعودا على بداية مقالنا فإنه من الواضح تماما أن أكبر المستفيدين من هذه الاضطرابات هو الذهب الذي يعد أبرز الملاذات الآمنة وقت الأزمات، والذي استمر بتسجيله قمما تاريخية، ومن الناحية الفنية فالذهب لديه مستهدفات فنية أعلى من 2900 دولار للأونصة، والأحداث الجارية ربما تسرّع بوصوله لهذه الأهداف.