ماري إيلين كلاس: رسوم ترمب التجارية تهدد عصير البرتقال في فلوريدا
رئيس الوزراء الكندي دعا المواطنين إلى التخلي تماما عن عصائر "ولاية الشمس المشرقة"
- المشكلة تتفاقم مع تحول "أليكو" المنتجة لـ12% من حمضيات فلوريدا إلى شركة أراضٍ متنوعة
حرب الرئيس دونالد ترمب التجارية مع كندا معلقة حالياً، لكن إذا استؤنفت، فقد تشكل ضربة قاضية لإحدى الصناعات الأمريكية البارزة: عصير البرتقال في فلوريدا.
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو دعا الكنديين إلى "التخلي تماماً عن عصير البرتقال من فلوريدا"، وذلك بالتزامن مع فرضه تعريفة جمركية 25% (تم تعليقها مؤقتاً) على الصادرات الأمريكية القادمة من "الولايات الحمراء" (المؤيدة للحزب الجمهوري). تمثل هذه الخطوة تهديدا خطيرا، إذ يتم تصدير 30% من عصير البرتقال المنتج في فلوريدا إلى كندا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه الصناعة فعلياً. على الرغم من أن البرتقال يعد رمزاً لـ"ولاية الشمس المشرقة"، فإن عصير البرتقال النقي القادم من فلوريدا أصبح نادرا تقريبا. على مدى 30 عاما، تعرض القطاع لضربات متتالية من الأمراض والأعاصير، ما أدى إلى انخفاض حاد في إنتاج الحمضيات.
على الرغم من أن العصير لا يزال يُعبأ في فلوريدا تحت علامات تجارية مثل "تروبيكانا" و"سيمبلي أورنج" و"فلوريدا ناتشورال"، فإن هذه المنتجات تعتمد إلى حد كبير على العصائر المستوردة من البرازيل والمكسيك ليتم خلطها بالمحصول المزروع محليا.
"الحمضيات اسم مرتبط بفلوريدا"، هكذا قال مات جوينر، رئيس منظمة "فلوريدا سيترس ميوتشوال" التجارية، خلال اجتماع للجنة الزراعة في مجلس شيوخ الولاية يوم الثلاثاء. أضاف أن مصانع معالجة الحمضيات، ومراكز التعبئة، والمشاتل توفر أكثر من 33 ألف وظيفة في الولاية، وتحقق أثرا اقتصاديا سنويا يتجاوز 6.8 مليار دولار.
حرب ترمب التجارية متهورة
كل ذلك معرض للخطر إذا استأنف ترمب حربه التجارية "المتهورة" مع كندا والمكسيك، الحليفتين التجاريتين للولايات المتحدة. فالرسوم الانتقامية التي قد تفرضها هاتان الدولتان ربما لن تؤدي إلى رفع تكلفة استيراد العصير المكسيكي لمصانع التعبئة في فلوريدا فحسب، بل قد تدفع المستهلكين الكنديين للاتجاه نحو منافسين آخرين. (تشير تقديرات إدارة الحمضيات في فلوريدا إلى أن عصير البرتقال البرازيلي أرخص 35% على الأقل). وقد يكون هذا بمثابة الضربة القاضية التي يخشاها القطاع.
من جانبها، أكدت شانون شيب، مديرة إدارة الحمضيات في فلوريدا، خلال الاجتماع مع أعضاء مجلس الشيوخ في الولاية، بالقول: "نحن صناعة بحاجة ماسة إلى دعمكم على عدة مستويات".
فعلى مدى 3 عقود، أنفق دافعو الضرائب والمزارعون في فلوريدا ملايين الدولارات على الأبحاث في محاولة لإنقاذ القطاع من الأمراض المدمرة مثل "التبقع الأسود للحمضيات" و"التقرح الحمضي". كما قدمت الولاية دعما ماليا كبيرا لحملات الدعاية والتسويق لتعزيز مبيعات منتجات الحمضيات.
أكدت شيب أن المزارعين بحاجة إلى مساعدة الولاية "للحفاظ على السوق"، متعهدة: "ستكون هناك نهضة في هذه الصناعة".
معاناة فلوريدا
يبدو ذلك وكأنه مجرد رغبة في ظل احتمال اندلاع حرب تجارية ومعاناة فلوريدا السنوية حالياً من دمار الأعاصير وعملية التعافي التي تليها. بعد أن دمر إعصار ميلتون الآلاف من أشجار الفاكهة في العام الماضي، تراجعت تقديرات إنتاج البرتقال في فلوريدا 20%. يُتوقع الآن أن يصل إنتاج الحمضيات لعام 2025 إلى أدنى مستوياته منذ قرن.
بدأ بالفعل تحول جذري في السوق. فآلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية التي كانت تؤدي دورا في حماية المجتمعات المجاورة من الفيضانات والمساعدة على إعادة تغذية المياه الجوفية المتناقصة في الولاية يتم بيعها حاليا لأغراض التطوير العمراني. أعلنت شركة "أليكو" (Alico)، إحدى أكبر مورّدي الحمضيات في البلاد والركيزة الأساسية في الصناعة منذ 120 عاماً، الشهر الماضي أنها ستتوقف عن إنتاج الحمضيات بعد هذا الموسم، وهو ما يمثل 12% من إجمالي إنتاج فلوريدا، لتتحول إلى "شركة أراضٍ متنوعة الأنشطة".
كتب جون كيرنان، رئيس الشركة ومديرها التنفيذي، في بيان موجه للمساهمين: "لأكثر من قرن، كانت أليكو فخورة بكونها واحدة من أبرز منتجي الحمضيات في فلوريدا، وحارسا مخلصا لأراضيها الزراعية، لكننا مضطرون الآن، وبكل أسف، إلى التكيف مع الواقع البيئي والاقتصادي المتغير".
معادلة جمركية معقدة
يعد هذا حتماً استسلاما. خلال العقد الماضي، تراجع إنتاج "أليكو" من الحمضيات بنحو 73%، فيما انخفض الإنتاج العام للحمضيات في فلوريدا 90% منذ 1998.
المعادلة الجمركية بلا شك "صورة معقدة للغاية"، وفقاً لما قاله جينجفاي غوان، الخبير الاقتصادي في معهد علوم الأغذية والزراعة بجامعة فلوريدا. بينما قد تتضرر صناعة الحمضيات في فلوريدا بسبب الرسوم الانتقامية، قد تستفيد محاصيل أخرى.
فعلى سبيل المثال، قد تستفيد الطماطم المزروعة في فلوريدا من فرض رسوم على الطماطم المكسيكية، وكذلك الحال بالنسبة للذرة وفول الصويا في الغرب الأوسط الأمريكي.
الحروب التجارية دائما ما تنطوي على مكاسب وخسائر، لكن من الصعب تخيّل فلوريدا بدون البرتقال، ذلك الرمز الشهير الذي يزين لوحات ترخيص السيارات في الولاية، والمصدر الرسمي لكل من مشروبها الرسمي (عصير البرتقال) وزهرتها الرسمية (زهرة البرتقال).
ترمب صرح بشكل عابر بأن الحرب التجارية قد تعني أن الأمريكيين "سيشعرون ببعض الألم". لكن بالنسبة لمستثمر عقاري مثل ترمب، فإن التخلي عن أراضي زراعة الحمضيات يعني فرصا استثمارية في التطوير العقاري. مع ذلك، فإن هذا النهج قصير النظر ومدمر ذاتياً. بدلا من إحياء صناعة عصير البرتقال والارتقاء بها مجددا، ستجعل تعريفات ترمب الولايات المتحدة، وكندا أيضا، أكثر اعتمادا على منتجي عصير البرتقال في الخارج.
كما هو متوقع، لم أجد أي جمهوري على استعداد لانتقاد ترمب علنا بسبب هذه السياسة الطائشة. ربما كان الأمر مجرد مناورة استعراضية لصرف الانتباه عن حقيقة أن الرئيس لا يركز على خفض أسعار المواد الغذائية كما يريد معظم أنصاره. لكن إذا استأنفت الحرب التجارية، فسيكون لذلك تأثير مدمر في صناعة الحمضيات في فلوريدا. وربما يصبح هلاك هذا القطاع أحد إرث ترمب السياسي، ما يمنح خصومه سببا إضافيا لإطلاق وصف ساخر عليه "الرجل البرتقالي".
خاص بـ "بلومبرغ"