كيف نميز بين الارتداد الحقيقي والمؤقت؟
شهدت الأسواق العالمية والسوق المحلية "تداول" بعضا من الارتداد منذ منتصف الأسبوع الماضي إلى مطلع تداولات الأسبوع الجاري، ارتداد جاء بعد نزيف حاد في الأسواق الأمريكية وكذلك السوق المحلية، فهل هذا الارتداد يمكن ان يستمر؟ من الناحية الفنية حسبما يعرف بنظرية داو التي أسسها وكتب عنها "شارلز داو" المتوفى 1902، الذي يعد مؤسس التحليل الفني للأسواق، والذي يحمل "مؤشر الداو" اسمه حتى الآن، إن أحجام التداول لا بد أن تؤكد الاتجاه، فإذا كان الاتجاه صاعدا فإن أحجام التداول ترتفع مع كل صعود، والعكس تماما عندما يكون الاتجاه هابطاً فإن أحجام التداول ترتفع مع كل هبوط، لكن ما يميز الارتداد لكل اتجاه أن أحجام التداول تقل عند الارتداد "عكس" الاتجاه العام. ففي حالة الاتجاه الصاعد فإن أحجام التداول "الفوليوم" تنخفض عند التراجعات وتعود لطبيعتها من الارتفاع بعودة الأسعار للصعود، أما في حالة الاتجاه الهابط فإن أحجام التداول تنخفض عند الارتفاع وتعود لطبيعتها من الزيادة عند استئناف هبوط الأسعار.
فما الذي حدث للأسواق بعد أن كسرت اتجاهاتها الصاعدة؟
الجواب أن الأسواق دخلت في مسار "تصحيح" هابط، فوفقا لنظرية داو فإن أحجام التداول في الأسواق "حالياً" ترتفع مع الهبوط، وتنخفض مع أي ارتداد، لذلك من الناحية الفنية "حتى الآن" يعد ما يحدث في الأسواق الأمريكية أو السوق المحلية مجرد ارتداد طبيعي بعد نزيف حاد، خاصة بعدما كسرت متوسطاتها للـ 50 و200 يوم، اللذان كانا يشكلان مناطق دعم مهمة بعد كسر الاتجاه الصاعد، فما زلنا نرى انخفاضا في الفوليوم "أحجام التداول "عند ارتداد الأسواق لأعلى، مقارنة بأحجام تداول عالية عند تراجع وانخفاض الأسعار، وهذا تماما ما تشير إليه نظرية داو بأن الاتجاه الحالي يعد هابطاً، للتمييز بين العودة للصعود مجددا، وبين كون ما يحدث مجرد ارتداد مؤقت "حتى الآن".
وللحكم بانتهاء الهبوط فلا بد من عودة الأسواق إلى التداول أعلى من متوسط 50 ومتوسط 200 يوم على الأقل، وهي حاليا بعيدة عن هذه المستويات. على كل حال فالأسواق الأمريكية كانت بحاجة إلى تصحيح وتهدئة بعد تحقيقها أرقاما تاريخية منذ بداية العام الجاري، كذلك فالسوق السعودية كانت تتداول قبل دخولها في موجة التصحيح عند أعلى مستوياتها منذ نحو 10 أشهر، لذلك كما أن الصعود لم يدم فحال الهبوط كذلك، وهي طبيعة الأسواق.
من جهة أخرى لا تزال تداعيات الحرب التجارية تضغط على الأسواق لما لها من تأثير مباشر في أرباح الشركات وزيادة تكاليفها، وبالتالي من الطبيعي أن حركة التجارة العالمية تتأثر بهذه التداعيات، ويكون لها انعكاس على تسعيرة الأسهم.
ولم تكن حال السوق النفطية أحسن حالا من نظيرتها في الأسهم، فقد تراجعت أسعار خام برنت لما دون 70 دولارا للبرميل وصولا إلى 68.30 دولار، ومع تراجعات أسواق الأسهم والنفط بسبب تداعيات الحرب التجارية والتعريفات الجمركية المتبادلة بين أكبر اقتصادات الدول، وتجدد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وحالة عدم اليقين التي يشعر بها المستثمرون حالياً، فقد عززت هذه الأسباب من ارتفاع الطلب على المعدن الأصفر "الذهب" وإقبال المستثمرين عليه، بما رفع من سعره لمستويات تاريخية عند 3040 دولارا للأونصة، كما ذكرنا في مقال سابق مطلع الشهر الماضي بعنوان "الأسواق تتراجع والذهب يغرد وحيدا"، وكما يبدو فإن الذهب يعد جذابا خلال هذه الفترة كونه أحد الملاذات الآمنة عند الأزمات، خاصة مع تراجع مؤشر الدولار لمستويات 103 نقاط، وهي مستويات لم يزرها منذ نحو 5 أشهر.