السعودية تتجه إلى زراعة العود مع تجاوز الطلب المحلي 5 مليارات ريال سنويا
في ظل تصدرها قائمة أكبر مستوردي العود عالميا، تتجه السعودية اليوم بخطى واثقة نحو زراعة العود محليا، في مشروع وصفه مختصون مستثمرون بـ "ثورة عالمية مرتقبة" في هذا القطاع الفاخر. وبعد محاولات متواضعة قبل نحو عقد، بدأت بوادر دعم رسمي وشراكات إستراتيجية لزراعة العود في مناطق جنوب السعودية، مستفيدة من الأجواء المناخية المناسبة.
ترصد "الاقتصادية" من خلال هذا التحقيق ملامح هذه النقلة النوعية، وحجم السوق المحلية التي تراوح وفقا لتقديرات مستثمرين بين 5 و7 مليارات ريال، وتكشف عن أنواع نادرة من العود يتم التعامل معها كثروات تحفظ في البنوك، في مؤشر على قيمة هذه الصناعة ومستقبلها الواعد في السعودية.
زراعة العود
كشف أحمد الخضير الرئيس التنفيذي لشركة "الخضير لنوادر العود" عن توجه جاد لزراعة العود في السعودية، معتبرا ذلك بمنزلة ثورة عالمية مرتقبة في هذا القطاع. وأوضح أن بعض الشركات بدأت قبل 9 سنوات بمحاولات متواضعة لزراعة العود في السعودية، لكنها لم تكن مدعومة في ذلك الوقت.
وأضاف: "اليوم لدينا نوايا جادة بالتعاون مع وزارة الزراعة وعدد من المهتمين لتخصيص أراض لزراعة العود، ونأمل أن تكلل هذه الجهود بالنجاح، كما نجحت زراعة عديد من المحاصيل في السعودية".
وأكد أن نجاح زراعة العود في السعودية سيشكل ثورة حقيقية في عالم العود عالميا، نظرا لما تتمتع به السعودية من عوامل داعمة، أبرزها الاستقرار الأمني، مضيفا أن "هناك دولا عديدة تمتلك مزارع عود، لكنها تفتقر إلى عنصر الأمان".
وأشار إلى أن هناك مناطق في جنوب السعودية تتميز بتربة وأجواء ملائمة جدا لزراعة العود، كاشفا عن نية تأسيس 3 مصانع في كل من جاكرتا وتايلاند والهند، وبعد الانتهاء منها سيتم البدء مباشرة في تجربة زراعة العود محليا.
أكد الخضير أن السوق السعودية تشهد حركة تجارية ضخمة في قطاع العود، وتعد الأكبر عالميا. وقال الخضير: "افتتحنا فرعا في أحد المجمعات التجارية المعروفة في دبي، ومع أنه في موقع إستراتيجي، إلا أن مبيعاته الشهرية تعادل مبيعات فرع واحد فقط في الرياض، ذلك لأن السوق السعودية واعدة جدا، وتحتاج إلى دخول شركات كبرى منافسة، فقد أصبحت أكثر نضجا ووضوحا من السابق، وهناك ثقة كبيرة لدى المستهلك".
طرح للاكتتاب
أوضح الخضير أن تجارة العود في السعودية تمثل قوة اقتصادية حقيقية، ما دفع عددا من شركات العود للتوجه إلى الإدراج في السوق المالية السعودية، بفضل الأرباح العالية التي تحققها. وكشف عن نية شركته "الخضير لنوادر العود" الدخول قريبا إلى سوق الأسهم، قائلا: "ننتظر التقييم النهائي تمهيدا للطرح". وأشار إلى أن الشركة أبرمت أخيرا عددا من الصفقات المليونية، من بينها صفقة بقيمة 8 ملايين ريال خلال شهر رمضان الجاري مع إحدى شركات العود، إضافة إلى مواصلة شراء تركة أحد قادة الدول الراحلين، التي تضم أعوادا نادرة.
نمو متسارع
تحدث الخضير عن بداية الشركة في عام 2020 برأسمال لا يتجاوز 250 ألف ريال، مؤكدا أنها اليوم تقدر بنحو 200 مليون ريال، وتضم أكثر من 100 موظف وبائع، مع شبكة من الفروع المتخصصة في الأعواد النادرة.
وأضاف: "نستورد العود الطبيعي من غابات في سريلانكا وإندونيسيا والهند، حيث نقوم بشراء جزء كبير من الغابة، ويتم فرزه وتنظيفه وتجفيفه في بلد المنشأ، ثم ينقل إلى مستودعاتنا في السعودية ليمر عبر قسم الجودة، وقد يتم استبعاد بعضه قبل طرحه للبيع".
أسعار متفاوتة
كشف الخضير أن أسعار الكيلو الواحد من العود الطبيعي تراوح ما بين 5 آلاف ريال ومليون ريال، خصوصا في الأنواع النادرة مثل الهندي الصك والفلبيني. وأضاف أن "الشركة تستهدف مستقبلا الطبقتين المتوسطة والثرية، وتسعى إلى تقديم منتج مميز بسعر عادل".
واختتم قائلا: "أحيانا نبيع العود بسعر التكلفة أو أقل بهدف كسب العملاء، بدلا من دفع مبالغ ضخمة للمؤثرين، حيث نعتبر العميل الراضي هو أفضل مسوق لنا". وأشار إلى أن نسبة الأرباح قد لا تتجاوز 15% بسبب التكاليف العالية للشحن والتصنيع والعمليات التشغيلية.
العود ثروة
من جانبه، أكد عبدالله الشويش، مؤسس شركة الشويش للعود، أن السعودية تعد أكبر مستورد للعود في العالم، مشيرا إلى أن حجم السوق المحلية يتجاوز 5 مليارات ريال سنويا، مضيفا أن "السعودية تعد من أكبر أسواق العود في الشرق الأوسط، حيث تستورد أنواعا متعددة، بعضها يتجاوز الاستخدام الشخصي ليعامل كثروة تحفظ المال".
وأوضح الشويش أن هناك أنواعا نادرة جدا من العود تتداول في نطاق محدود للغاية، وتتميز بأسعارها المرتفعة وعوائدها العالية، ما يدفع البعض لحفظها في أماكن آمنة مثل البنوك. وقال: "يصل سعر الجرام الواحد من بعض أنواع العود إلى أكثر من ألف ريال، ما يعني أن الكيلو قد يتجاوز 1.2 مليون ريال".
وعن زراعة العود محليا، أشار إلى صدور قرار من مجلس الوزراء السعودي بتجربة زراعة العود والصندل، موضحا أن تجربة زراعة الصندل في منطقة جازان حققت نجاحا مميزا، ومعربا عن أمله في أن يحقق العود نفس النجاح، خاصة أن السعودية تقع على نفس خط الاستواء الذي تزرع فيه أشجار العود عالميا.
976 مليون ريال حجم الواردات
سجلت واردات السعودية من العود ودهن العود خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 976.5 مليون ريال، بكمية إجمالية بلغت 4.14 مليون كيلوجرام، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء التي حصلت عليها "الاقتصادية".
وتشهد تجارة العود في السعودية نموا متسارعا، مدعومة بارتفاع الطلب المحلي والدولي على العود، إلى جانب تحقيق القطاع عوائد مالية مجزية للمستثمرين، وفقا لمختصين في صناعة وتجارة العود والبخور تحدثوا لـ"الاقتصادية".
خلال عام 2024، استوردت السعودية مجموعة متنوعة من العود، وخشب الصندل، والأخشاب العطرية الطرية، ودهن العود، بقيمة تجاوزت 274 مليون ريال. وتصدرت إندونيسيا قائمة الدول المصدرة إلى المملكة، تليها فيتنام، تايلاند، بنجلادش، والهند.
أرجع مختصون التوسع في تجارة العود إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها، ارتفاع الطلب المحلي، خاصة في المناسبات الدينية والمجتمعية، زيادة الاهتمام العالمي بالعود السعودي نظرا لجودته العالية، إقبال رواد الأعمال على الاستثمار في القطاع، لما يوفره من فرص مجزية، نمو التجارة الإلكترونية، التي سهلت وصول المنتجات للأسواق المحلية والعالمية.
على صعيد الصادرات، بلغت قيمة صادرات السعودية من العود والبخور خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 105 ملايين ريال، بكمية إجمالية وصلت إلى 632 ألف كيلوجرام. وتركزت الصادرات نحو دول الخليج وبعض الدول العربية، التي تمثل أسواقا رئيسية لهذا المنتج.
نمو النشاط 17%
يعكس نمو قطاع العود والبخور ارتفاع عدد السجلات التجارية لنشاط البيع بالتجزئة بنسبة 17.4% خلال عام 2024، ليصل عددها إلى 22.264 سجلاً تجارياً، مقارنة بـ 18.963 سجلا في نهاية 2023، وفق ما ذكرته وزارة التجارة لـ"الاقتصادية"، وتصدرت الرياض قائمة المناطق الأكثر نشاطاً في تجارة العود، تليها مكة المكرمة، الشرقية، المدينة المنورة، والقصيم.
دعم الصندوق
أكد لـ "الاقتصادية" صندوق التنمية الزراعية السعودي على لسان متحدثه حبيب الشمري، أنه لم يصل حتى اليوم أي طلب من مستثمرين سعوديين بشأن تمويل زراعة العود، حيث إن دور الصندوق تمويلي وليس في إصدار التراخيص أو السماح بذلك، كما أنه في حال تقدم أي مستثمر فإن الصندوق يدرس إمكانية منح التمويل لأي منتجات جديدة وفقا لاحتياجات السوق ووفقا للإستراتيجية الوطنية للزراعة، إضافة إلى الدراسات الفنية والاقتصادية الوافية عن المنتج.
انقطاع أنواع نادرة
من ناحيته، أكد المهندس وليد البداي، الرئيس التنفيذي لشركة بحر العود، وجود أنواع نادرة جدا من العود، يعود بعضها إلى أكثر من 100 عام، وبعضها الآخر انقطع حتى في الدول المنتجة له.
وقال في هذا الصدد "إنه عندما نسأل عن بعض هذه الأنواع في دولها الأصلية، لا نجد لها أثرا". وأشار البداي إلى أن هذه الأنواع النادرة يتم حفظها في صناديق أمان في البنوك أو في خزائن خاصة، نظرا لقيمتها العالية، حيث تعد بمنزلة ثروة يمكن استخدامها في أي وقت، كما تصنف ضمن الأصول التي تمتلكها الشركة.
يرى مسعود آل حيدر، مستثمر في تجارة العود والعطور، أن السوق تتمتع بمستقبل واعد نظراً للطلب المتزايد، مشيرا إلى أن العود والبخور لا يقتصران على كونهما منتجات عطرية، بل يشكلان جزءاً أساسياً من التقاليد الاجتماعية والثقافية في السعودية، مثل استقبال الضيوف والمناسبات الدينية والاستهلاك اليومي.
من جهته، أكد عبدالله الحربي، خبير تجارة العود والعطور الشرقية، أن الطلب على العود السعودي يتزايد محليا وخليجيا وعالمياً، نظرا لجودته العالية ومصدره الطبيعي النقي، ما يجعله خيارا مفضلا لعشاق العطور الفاخرة.
زيادة حجم السوق
الرئيس التنفيذي لشركة سكة الطيب عبدالعزيز المطرودي توقع ارتفاع حجم سوق العود في السعودية الذي قدره حاليا بـ 7 مليارات ريال خلال الأعوام المقبلة.
وحول قيمة أغلى سعر لكيلو العود، قال إن الأسعار تختلف بشكل كبير بناء على النوع والجودة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يصل سعر كيلوجرام العود الفاخر إلى 100 ألف دولار (375 ألف ريال)، خاصة مع زيادة الطلب من بعض الأسواق مثل الصين، في المقابل، تتوفر أنواع أخرى بأسعار أقل، حيث يمكن العثور على بخور العود الهندي بسعر 160 ريالا للأوقية (28 جراما).
المبيعات في المواسم
تستورد السعودية العود بشكل أساسي من الهند، كمبوديا، ماليزيا، إندونيسيا، فيتنام، ولاوس، بحسب المطرودي.
وفيما يتعلق بالمواسم خاصة موسم رمضان والعيد، أكد أن مبيعات العود والبخور في السعودية تشهد زيادة ملحوظة خلال شهر رمضان وعيد الفطر، مضيفا "في عام 2021، بلغ إنفاق السعوديين على العطور، بما في ذلك العود، حوالي 3 مليارات ريال خلال عيد الفطر".
وأشار إلى أن مبيعات العود ترتفع بنسبة تصل إلى 40% خلال موسم رمضان مقارنة بالأشهر الأخرى.
الحصة السوقية
وحول حصة شركته السوقية في السوق، قال إنه حسب الإحصائيات المنشورة في "تداول" فإن أكبر 5 شركات في سوق العطور السعودي تستحوذ على 35% من إجمالي قيمة المبيعات في عام 2022، بينما "الحصة المتبقية لنا ولباقي المنافسين تشكل 65% من إجمالي حصة السوق".
وأشار إلى أن شركته تستهدف خلال 3 سنوات الإدراج في سوق الأسهم السعودية، مبينا أنهم حاليا في مرحلة نمو وتوسع حيث إنه حسب الخطة سيبلغ عدد فروع الشركة خلال العامين المقبلين نحو 20 فرع.